يُخيل إليّ أننا بحاجة ماسة اليوم وأكثر من أي وقت مضى لفقه الإمام الشوكاني، فقد كثر اللُّجاج، وتبارت الألسن والأقلام ، وزاد القيل والقال، واختلط الحابل بالنابل، فتاهت دروب السائرين، واحتارت عقول الرائين، وتبخّرت الحكمة اليمانية، فتراجعت بصورة واضحة. كان الإمام الشوكاني قيمة كبرى في الاجتهاد، والتأصيل، والحكمة. فقد خاض غمار المعارف، وتاه في دروب المعاني، ففاض بالقيم النبيلة منذ أن كان شاباً يافعاً، حتى انه امتلك مثابة الإفتاء وهو مازال في ريعان الشباب، وبعد حين من الزمان بدأ يختطُّ طريق الرشاد الذي لم يُفهم من لدن الكثيرين ممن رموه بالأقوال الغلاظ، فما كان منه إلا الذهاب بعيداً في تحنُّفه الرشيد، وقناعاته العميقة، ففتح مسارات جديدة في تعايش فقه الاجتهاد اليماني، ومكاشفة الغلاة من الكلاميين، فاستطاع الإمساك بالبرزخ الشفيف الذي يصل بين الزيدية والشافعية، فجمع الحُسنيين ، وفاض بالحنفية السمحة، ورفض الغلو والغلواء، وقارع السلطان الجائر، مقارعة الناصح الأمين، المتباعد عن الخروج السافر، رافضاً الإقامة في التقليد الفقهي غير الحميد، مؤصلاً واسع النظر، وحسن الفطنة. نحن بحاجة إلى استعادة رؤى ونظرات الشوكاني في كيفية التعامل مع الحال القائم، خاصة وأن دُعاة الاستقطاب في السلطة والمعارضة يخلطون بين المطالب المشروعة، وضرورة الإصلاح من جهة، وبين تصفية الحسابات القاصرة من جهة أُخرى. العقل الرشيد في اليمن بحاجة إلى قراءة استسبار واستغوار، والسُلطة معنية بتقديم المزيد والمزيد من التنازلات الشجاعة، والمعارضة معنية بالتقاط الإشارات الايجابية، وبقدر كبير من حسن الظن والتباعد عن بعض أيديولوجيي الأحكام الجاهزة. تجربة الإمام العلامة الشوكاني في التعاطي مع فرقاء الكلام والسياسة خير معين لنا في هذا الزمن الأهوج. [email protected]