تتصل معرفتي الذوقية بالشاعر والملحن الاستثناء حداد بن حسن الكاف من خلال الاستماع المديد لفن “الدان” الحضرمي المقرون بالنص الحكيم والرؤية الجمالية المبهرة، وكان للفنان العتيد الراحل صالح باعيسى أثر كبير في تنمية ذائقتي السماعية لفن الدان الحضرمي، لكن هذه الذائقة تعززت تباعاً من خلال سلسلة من الفنانين، وخاصة الفنان الاستثناء أبو بكر سالم بلفقيه ابن وادي حضرموت الموصول بثقافتها اللغوية والدينية .. الفنان الأكثر اقتداراً على إنشاد النصوص الصوفية الصعبة دونما لحن لغوي أو خطأ كلامي، وبرشاقة المطبوع المقيم في زمن الجملة العربية الرصينة المنيعة. تميز المرحوم حداد بن حسن الكاف بطاقة إبداعية فريدة، ولغة شفيفة تلتمع بالمعاني والإشارات البارقة، وتكتنز بحكمة الدهر وتداعيات الصور الوامضة، فقد تضافرت في ثقافته الموهبة والمنحة الإلهية المقرونة بالمكان . عرفتُ وادي حضرموت ومدينتي تريم وشبام في ستينيات القرن المنصرم، عندما زرتها في جولة عابرة، فإذا بي انغمس في بهاء مساءاتها الجميلة، وانخطف بمنارات عقولها الراسخة، واستعيد وهج الأيام الماضية التي منحتني فرصة الإقامة الدلالية في ثقافة الوادي عندما كنت طفلاً صغيراً في حارة العرب بمدينة مقديشو .. تلك الحارة التي تشربت منها لهجتي الحضرمية، وسلوكي الخاص، ومن عجائب الأيام أن اكتشف قبل حين أصولي الحمودية الحضرمية اليمانية على مرمى حجر من مدينة تريم، تماماً كما هو الحال في جبل حبشي بمدينة تعز، وكما في كل مكان من اليمن التاريخي. تجولت مرتين في مرابع الوادي وصروحه الراكزة في عمارة القلوب ومنازل الهجرة الحضرمية التاريخية، وأدركت فيها سر التميمة السحرية التي تُميز هذه المنطقة، هنا حيث التعايش الحضاري في أعمق أبعاده، وسجايا أهلها المشمول بعشق السلم والعمل والوفاء، فكان المكان موازياً لأقوال الحداد، وغيره من الرائين المبدعين . يقول الشاعر المتصوف عمر بن شهاب: بشراك هذا منار الحي ترمقه وهذه دور من تهوى وتعشقه وهذه روضة غناء مهدية يزهو بها رونق الماضي وزنبقه وعلى ذات النفس الشعري المتروْحن بالتصوف والثقافة العالمة يقول حداد بن حسن الكاف: حيا ليالي جميلة مرت بسفح الجبل مثناك بحر الطويلة في ظل سيئون الجميل والحوطة المستطيلة فيها علي حبشي وكم فرع أصيل وللحديث صلة [email protected]