كل مشكلات العالم العربي عائدة إلى عدم العدل, ولأن العدل ضروري, فإن من الفرض أن يحاكم بعض القضاة أو كثير منهم، لأن أي أزمة في المجتمع الصغير «الأسرة» أو المجتمع الكبير «الدولة» إنما سببها ضياع العدل، في المجتمع الصغير لاتجد المرأة إنصافاً من القضاء الذي لم يشجعها أن تأخذ ميراث زوجها أو أبيها الميت, بل إن الميراث للمرأة يسيطر عليه إما الأخ أو الزوج المتواطئ مع الأخ، ولاحول ولاقوة للمرأة أن تذهب فتشكو للقضاء, لأننا نعلم الإمكانات المطلوبة, لتستطيع المرأة أو الرجل أن يأخذ حقه أو حقها. ونعلم أن الأوصياء على الأيتام يسيطرون بل ويصادرون حقوق الأيتام والنساء منهن, ولايستطيع الأيتام أن يأخذوا حقوقهم.. ومن ضمن هذه الحقوق للمجتمع الصغير «الأسرة» أن المرأة لاتستطيع أن تعارض أباها أو أخاها في زواجها من إنسان قد تكون إمكاناته الوحيدة هي «الدفع» أكثر.. الخ. المآسي الأخرى في المجتمع الكبير لن يستطيع مجلس أو هيئة أن يحول دون الفساد في القضاء, بل إن أي مجتمع في أي مكان قد يصاب بخيبة أمل إن علم يقيناً أن التصحيح في مجال القضاء لايعني أن يكون عبارة عن إزاحة قاض فاسد من مكان ضج بالشكوى من رشوته وسلوكه المتصف بالجشع والجهل والعزيمة على الاستمرار بالفساد, ليذهب إلى ممارسة سلوكه في مكان آخر. إن المجتمع الذي يعاني من الفقر هو الذي يفقد العدالة, فلو أن هناك قضاءً عادلاً, لما وجدت فئة تستأثر بالثروة وتتجاوز الأقدمية وتتعالى- لاشريك لها- على القوانين واللوائح.. إن هذا الشباب المطالب بالتغيير إنما يفتقد العدالة, يعبر نيابة عن المجتمع في فقد المساواة بالحقوق والواجبات. لقد أثبت الصمت على مواجهة الفساد بشجاعة وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها. إن الحال لن يكون إلا ماوصلنا إليه من دمار وفوضى وركوب الانتهازيين الفرص السانحة لتحقيق مصالحهم الخاصة جداً. في مؤسسات الدولة في المجتمع العربي والإسلامي لم يحصل صاحب الحق على حقه, بل لم يمارس الاختصاصيون وظائفهم بحسب اختصاصهم, وإنما بحسب «الثقة» والمصلحة أيضاً. المجتمع الآن يريد محاكمة بعض القضاة الذين كانوا سبباً فيما نحن عليه من فوضى، وبالتحديد الذين كانوا سبباً في هذه الكارثة المدمرة «الثأر». لقد سعى المصلحون من المفكرين والإعلاميين أن يقاربوا الأزمات ولم يعالجوها.