كما أسعفتنا الفيزياء بالتميز بين عناصرها؛ فإن عالم الطبيعة البيولوجي في النبات والحيوان يظهر نفس مبدأ التدرج، كما انتبه ابن خلدون في مقدمته إلى هذه الظاهرة بين النبات الذي لابذر له مثل الحشيش، والذي يقترب من عالم الحيوان ويتزاوج مثل النخل: ( ثم انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدرج، آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات، مثل الحشائش ومالابذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم، متصل بأول أفق الحيوان، مثل الحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط، ومعنى الاتصال في هذه المكونات، أن آخر أفق منها ، مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده). إذا كانت النباتات متباينة وتدخل دورة تطورية من النضرة والنضج إلى اليبوسة والحطام فإن الحديث يمدنا بنموذج مقارن بين المؤمن الذي يشبه خامة الزرع تتلاعب بها الرياح تصرعها وتعدلها حتى تهيج وتستوي وتعطي الثمر اليانع، أما المنافق فمثل (الأرزة المجذية الجافة) يكون انقصافها مع حركة الريح مرة واحدة فتتحول إلى حطام الهشيم. كذلك الأمر في عالم الحيوان؛ فليست كل بقرة منتجة، ولا كل خاروف مدهن، ولا كل معزة قوية المفاصل، ولا كل راحلة يعول عليها في اجتياز مفاوز الصحراء، ويمدنا الحديث مرة أخرى بنموذج مقارن من عالم الحيوان والبشر؛ فهو يرى البشر نسبة مئوية ضئيلة تصل إلى 1 % من الناس من يعول عليهم (إنما الناس كإبل مائةٍ لاتكاد تجد فيها راحلة). اليورانيوم عنصر نادر، والإبل التي تحمل البشر في رحلة الصحراء نادرة، والبشر الجيدون قليلون (وقليل من عبادي الشكور) ( وقليل ماهم) في مقابل أكثر الناس الذين (لايعلمون) ولكن مع هذا فإن صناعة السلاح النووي ذي القوة التفجيرية بغير حدود تتم من العناصر النادرة، وتغيير المجتمعات تتم بواسطة أدمغة مبدعة قليلة تشذ عن نغم القطيع، والأقلية المبدعة هي التي تشق الطريق للحشود البليدة إلى الحضارة.