عندما تخرج الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات عن نطاق المسافات والمساحات السلمية وتبدأ بالاعتداء على المنشآت الحكومية واقتحامها وتكسير الواجهات والأبواب والنوافذ الزجاجية واستهداف الموظفين ورجال الأمن بالرصاص وبالحجارة وبأي نوع من أنواع السلاح الأبيض، تتحول هذه الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات إلى أحداث شغب وسلب وتخريب ونهب وقتل ينتج عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى من الجانبين، كلهم من أبناء الشعب اليمني صاحب المصلحة الحقيقية في الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحق الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات السلمية. وأياً كانت الجهات التي ينتمي إليها القتلى والجرحى وسواء كانت جهات حزبية أم جهات مستقلة معارضة أو كانت جهات حكومية وأمنية محسوبة على الأغلبية الحاكمة، فإن الخاسر الوحيد من هذه النزاعات التدميرية والفوضوية والعنيفة هو الشعب اليمني، الأمر الذي يستوجب المراجعة وعدم القيام بأي تصرفات تستهدف المساس بقدسية الدستور وبسيادة القانون لأن الديمقراطية والحرية لا ينفصلان عن المسئولية وما تستوجبه من الموازنة بين الحق وبين الواجب الوطني تجاه الوطن والمواطن لأن اللجوء إلى مثل هذه الممارسات الهادفة إلى الإضرار بالعملية التعليمية وتعطيل التلاميذ من مدارسهم والطلاب من جامعاتهم والموظفين من أعمالهم من الأساليب غير الحضارية التي تفتقد إلى الثقافة الديمقراطية بأية حال من الأحوال. أقول ذلك وأقصد به أن الممارسة الديمقراطية الحضارية لا تجيز للأحزاب والتنظيمات السياسية اللجوء إلى مثل هذه الأساليب الدكتاتورية الهدامة، لأن البناء هو ما تهدف إليه بكل المقاييس الحضارية المعمول بها في الديمقراطيات الناضجة والديمقراطيات الناشئة، نظراً لما تنطوي عليه من الانعكاسات السلبية الأقرب إلى الضرر منها إلى النفع... وأي ضرر أسوأ من أن يتم دفع الشباب المتهورين إلى القيام بهذه الأعمال العدوانية التي لا ينتج عنها سوى الخراب والدمار والقتل، عملاً بالحديث القائل (لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل مسلم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله” صلى الله عليه وسلم. إننا إذ ندعو شبابنا المعتصمين إلى تحمل مسئولياتهم تجاه ماهم بحاجة إليه من الموازنة بين التعليم وبين ممارسة الاعتصامات ندعو الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام إلى تحمل مسئولياتهم في حسن توجيه من يدفعونهم إلى ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية من الناحية السياسية وبما لا يتعارض ولا يتناقض مع الحقوق والحريات المكفولة للآخرين، لأن حرية الفرد تتنافى مع اللحظة التي يتحول بها القول والفعل إلى مساس بما هو مكفول للآخرين من الحقوق والحريات، ناهيك عن الأمور التي تندرج في نطاق الإضرار بالممتلكات الخاصة والممتلكات العامة ذات الصلة بحق المجتمع الذي تقوم الدولة بحمايته وتنظيم كيفية التعامل الحضاري الديمقراطي والحقوقي معه، لأن الهروب من المدارس ومن الجامعات ومن الامتحانات لا يتفق مع المصالح الذاتية للشباب المعتصمين في الشوارع والميادين العامة على الإطلاق.