قيل إنه في سالف العصر والأوان فتاة جميلة استبق إليها الخطاب من كل حدب وصوب, فهي هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة, لايشتكي قصر منها ولاطول, وهي: حوراء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا وكأن رجع حديثها قطع الرياض كسين زهرا وكأن تحت لسانها هاروت ينفث فيه سحرا قد فتن بها القاصي والداني, وأقبل يطلب ودها كبار القوم من أهل الثروة والوسامة والوجاهة.. فظفر بها أحدهم, غير أنه كان مثل كثير من أهل المال, طماعاً جشعاً, لاينظر من أين يكسب المال ويحصل على المزيد, فلا يهمه إن كان مايكسب حلالاً أو حراماً.. المهم أن هذا الرجل ضحك على المرأة - كأيّ نذل آخر- وسرقها مالها وأتى عليه دون وازع من دين أو بقية من ضمير- كأي همجي غير محترم-, مات الرجل وخلفه على ماله أولاد أشرار, تربوا على مائدة أب لم يكن قدوة في الخلق ولاسابقة في مروءة, فمزقهم الله شر ممزق, فكل عضو نبت من حرام يلقى نفس المصير, وإنما يحفظ الله المؤمنين الصالحين في أسرهم وأولادهم بعد الممات وفي الحياة (فأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك). المهم أن هذه المرأة الجميلة لم يستطع سوء الحال وفقر ذات اليد أن يفقدها جمالها، فلما تزل ذات جمال وهيئة نضيرة حسنة.. ولازالت طلبة الرجال. كان هناك شيخ في القرية, لامال له وإنما هو قادر على أن يظهر بمظهر الشيخ الثري من خلال هندامه الحسن وقدرة تجعله يبدو وسيماً في عيون النساء, والمرأة مهما يكن حظها من ثقافة وثروة، فإنها قد لاتصمد طويلاً أمام إغراء الرجل, خاصة إذا ماكان قادراً على وضع شباكه وحبائله.. وهذا بشار بن برد شيخ شعراء العصر العباسي قاطبة, كان أعمى قبيح الخلقة والخلق قال إنه «يصبي الفتاة فما تعتصم» أي أنه قادر رغم دماثة وجهه وقبح شكله على إغواء النساء. نعود للقصة. كان اسم شيخ القرية هذا سعيد «الشيخ سعيد» استطاع إقناع هذه المرأة الجميلة «الأرمل» فتزوجها.. كان من ضمن ماأقنعه إياها أنها لن تضام وهو حي وسيدافع عنها أهوال الدهر ومصائب الدنيا.. صدقته.. وذات يوم ذهبت لها بعض دجاجات ترعى في حقل مجاور, فحاول صاحب الحقل أن يمنع دجاجاتها من الرعي, فضربته على وجهه فذهب يشكوها للعامل, فبلغها أن العامل سيرسل لها «طلاباً» استدعاء، فهرعت تشكو لزوجها الشيخ سعيد, فقال لها «احزقي نفسك وقفلي بيتك, شيخك سعيد لايضرك ولاينفعك» والخلاصة أن كثيراً من أبطال الأمس هم «شيوخ سعيد اليوم» وهكذا فالرجال مواقف, و«تعس عبد الدينار, تعس عبد القطيفة».