المعلوم من الدين بالضرورة أن الإنسان المسلم معرض للفتن والمحن في غالب الأحيان، وذلك أمر اقتضته حكمة الخالق جل في علاه، والواجب على المسلم إزاء ذلك الصبر والمصابرة، واحتساب الأجر والثواب في الآخرة. غير أن من غريب القول، وعجيب الحديث، ماذكره الإمام السيوطي عليه رحمة الله في كتابه الشهير “تاريخ الخلفاء” من أنه تحدث فتنة عظيمة رأس كل مائة سنة منذ خلق الله الدنيا. قال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا يحيى القزويني، حدثنا خلف ابن الوليد، حدثنا المبارك بن فضالة، عن علي بن يزيد، عند عبدالرحمن بن أبي بكر، عن المرياض بن الهيثم، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال : ماكان منذ كانت الدنيا رأس مائة سنة إلا كان عند رأسها أمر : كان رأس المائة الأولى من هذه الملة فتنة الحجاج، وما أدراك ما الحجاج. وفي المائة الثانية : فتنة المأمون وحروبه مع أخيه، وامتحانه الناس بخلق القرآن. وفي المائة الثالثة : خروج القرمطي وناهيك به. وفي المائة الرابعة : كانت فتنة الحاكم بأمر إبليس لا بأمر الله، وناهيك بما فعل. وفي المائة الخامسة : أخذ الإفرنج الشام وبيت المقدس. وفي المائة السادسة : كان الغلاء الذي لم يسمع بمثله منذ زمن يوسف عليه السلام. وفي المائة السابعة : كانت فتنة التتار العظمى التي أسالت من دماء أهل الإسلام بحاراً. وفي المائة الثامنة : كانت فتنة “تيمورلنك” التي استصغرت بالنسبة إليها فتنة التتار على عظمها. وأسأل الله أن يقبضنا قبل وقوع فتنة المائة التاسعة.. انتهى كلامه. قلت: وليس ثمة شك بأن هذه الفتنة التي أصابت المسلمين اليوم وفرقت بين الحاكم والمحكوم وباعدت بين الرئيس والمرؤوس، وأدت إلى خروج الناس عن طاعة ولاة الأمور، هي فتنة “المائة الثالثة عشرة الهجرية !!”. وهي فتنة عظيمة ومحنة جسيمة، يجب على المسلمين أن يتسلحوا بالصبر، ويتحصنوا بالإيمان، ويعودوا إلى رشدهم، كي يفرج الله همهم، وينفس كربهم، ويقشع ظلمهم، فهو وحده جل وعلا القادر على ذلك، وله فيها حكمة بالغة.