سقطت البلاد في مستنقع الإرباك والفوضى وحل بالناس ماهو حاصل اليوم من هموم ومتاعب، وتحولت حياتهم إلى صراع مع متطلبات الحياة اليومية .. هذا هو السقوط الذي كنا نخشاه وحذرنا منه مراراً وتكراراً وقلنا: بأن ثمة من يسعى لتحقيق مآربه على حساب شعب ودون إكثراث بالعواقب .. هذا السقوط هو نتيجة لسقوط أكبر وأخطر وهو سقوط القيم والمبادىء ولا شيء يبرر مايحدث وما آلت إليه أوضاع البلد سوى سقوط المبادىء النبيلة والقيم السامية التي طالما دعوا لإسقاطها تحت مسميات أخرى كانت هذه نتيجتها .. اليوم وصل الحال لأن يستغل البعض كل فرصة لتحقيق مصلحة شخصية وهو يعلم بأن نتيجة ذلك معاناة الكثير من الناس وسقوطهم في حضن الحاجة والحرمان وإلحاق بالغ الضرر بهم مادياً ومعنوياً. قبل هذه الأزمة التي شُرع فيها ومن خلالها للتمرد على الأصول والقوانين والأنظمة المنظمة لحياة الناس لم نكن نشاهد وحوش الاستغلال والفوضى تتحرك وتتصرف بحريتها التامة وتبطش بمصالح العامة من الشعب دون خوف من أحد، فأولئك الوحوش يستندون في أقوالهم وأفعالهم لدعم سياسي ودعم ديني يقوم على الفتوى التي أجازت لهم مايفعلون بداعي الجهاد والتغيير ومع مرور الأيام تحولت تلك التصرفات الشاذة إلى سلوكيات يومية استسهل أصحابها ممارستها وهم يعتقدون صواب مايفعلون .. لقد أنجبت لنا هذه الأزمة قطعان لصوص وقطاع طرق وفاسدين ومفسدين في الأرض يرون في أفعالهم نضالاً مشروعاً وهم يرون نتائج أعمالهم تفتك بالبسطاء والمساكين ، لكنهم تحت تأثير المكاسب وفرحتهم بالأرباح ومع وجود مايشبه الاعتقاد بأن هذا السلوك سوف يوصلهم إلى مايريد الداعمون لهم والمشرعون لأفعالهم .. هذه هي الحقيقة التي لايمكن تجاهلها وهي أن مايحدث هو من نتائج الأزمة التي سارت في مسلك خاطئ وبتشريع فتاوى الظلم والطغيان السياسية والدينية ، ومامن شك بأن ضعفاء النفوس من بقية فئات المجتمع قد استغلوا هذا الظرف وخرجوا ليعيثوا في الأرض فساداً ويحققون لأنفسهم مايريدون من مكاسب وأرباح ، وهذا الحال يوحي بتحول البلد إلى غابة بشرية لايحكمها سوى قانون الغاب لأن قوانين الإنسان جرى التمرد عليها ورفضها واعتبارها من قوانين الحاكم. هكذا بدأت الأمور من باب العصيان المدني ولأن هذا العصيان لا مكان له ولا مبرر فقد تحول إلى تجارة حروب وقطع طرقات وتعطيل مصالح الناس ... أوصل هذا العصيان الكثير إلى قناعة بضرورة التمرد على كل شيء إلى أن وصلت العملية إلى مانعلمه جميعاً اليوم من قطع طرق وغياب السلع الضرورية وضرب خطوط الكهرباء . سقطت البلاد إلى وضع حولها إلى غابة يفتك القوي فيها بالضعيف ويجري استغلال الناس استغلالاً بشعاً يُسقط عن أصحابه كل القيم والمبادىء والأخلاق الدينية والإنسانية ، ونخشى إذا ما استمر هذا الحال أن تتحول الأمور عن مسارها وتتغير الموازين وحينها سينتصر كل إنسان لنفسه ومصالحه وسيفتك الظبي بالأسد انتصاراً لحياته حين يجد نفسه وقد فقد كل الخيارات وأُغلقت كل أبواب الحلول أمامه ..سوف سنقلب السحر على الساحر فهل يدركون ذلك قبل فوات الأوان؟