بعد أيام قلائل سيأتي ضيف عزيز ليس في السنة أغلى منه, ضيف لطالما انتظرناه, ضيف كلما مر طيفه أشتقنا إليه, قلوبنا تنبض بلقائه, وأكفنا تصافحه ,وأعيننا تتأمل فيه وتكتحل به, وألسنتنا تناديه، وأفواهنا عسى أن تلهج بذكر الله فيه .ننتظر رؤية هلاله ف ( اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ) . فهو هلال رشد وخير. فحق علينا لك ايها الشهر الكريم، أن نرحب بك ضيفاً كريماً، وموسماً عظيماً، وخيرات تتوالى، وبركات تتعاظم، وحسنات تتضاعف، وسيئات تتناثر، وحري بنا أن نفرح بحلولك والقلوب فيك بذكر الله تطمئن، والنفوس تسعد وتأنس، والأرواح ترق وتسمو، والعزائم تقوى وتعلو، والأرحام تُوصل، والزكوات تُخرج، والآيات تُتلى، والعبرات تُسكب. هو شهر البركة، والرحمة شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، تحط فيه الخطايا، ويستجاب فيه الدعاء، ينظر الرب تعالى إلى التنافس فيه، ويباهي بالمتنافسين فيه الملائكة، فالشقي كل الشقاء من حرم رحمة الله، ولم يكتب في سجل العتقاء، شهر رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات، وتُصفد فيه مردة الجان، وفيه تُغفر ذنوب، وتُعتق فيه الرقاب من النار، وفيه ليلة مباركة “ ليلة القدر” تساوي في الأجر والثواب ألف شهر، وفيه تستغفر لك الملائكة ،انه شهر يستبشر بقدومه المسلمون في كل مكان، لما فيه من حُسن الجزاء وعظيم العطاء، ولما فيه من عظيم المثوبة، قال صلى الله عليه وسلم : «شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار». وعلى هذا يجب على كل واحد منا أن يستقبل شهر رمضان بالجد والاجتهاد وعمل القربات، والتقرب إلى الله و الدعاء بأن يبلغنا الله شهر رمضان في صحة وعافية, حتى ننشط في عبادة الله تعالى, من صيام وقيام وذكر, فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»، وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان, ثم يدعونه أن يتقبله منهم. و شهر رمضان ليس شهر خمول ونوم وكسل كما يظّنه بعض النّاس ولكنّه شهر جهاد وعبادة وعمل لذا ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكرم, والحمد وشكر الرب الغفور، الذي وفقنا لبلوغ شهر رمضان وجعلنا من الأحياء الصائمين القائمين الذين يتنافسون فيه بصالح الأعمال، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم لهداية النّاس وإخراجهم من الظلمات إلى النور, وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنّة وتغلق فيه أبواب النّار وتغل فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات وتغفر الخطايا والسيئات فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول : «جاءكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله». وقال صلى الله عليه وسلم : «إذا كانت أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغُلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، وصُفدت الشياطين، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة». وقال صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى : « كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». والحقيقة أننا لسنا وحدنا ممن يستقبل هذا الشهر العظيم فهناك استقبال عظيم له في السماء من أول ليلة فيه فتفتح فيه أبواب السماء، وأبواب الجنة، وأبواب الرحمة على اختلاف الروايات وتغلق فيه أبواب جهنم، واستعداد له كذلك في الأرض فتسلسل وتصفد الشياطين ثم ينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة منه، فينبغي علينا جميعاً أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً, وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرم لنفوز بالمغفرة والعتق من النار، كما ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل وتعجيل الفطر إذا تحققنا من غروب الشمس والزيادة في أعمال الخير وأن يقول الصائم إذا شُتم «اللهم إني صائم» فلا يسب من سبه ولا يقابل السيئة بمثلها بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن ليتم صومه ويقبل عمله, كما يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صلاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً وابتغي به وجهه, والعمل الصالح هو الخالص لله الموافق لسنة رسوله عليه أفضل الصلاة والتسليم. وعلينا أن نحرص في هذا الشهر الكريم على أن نبرّ والدينا وأن نصل أرحامنا، فهذا هو موسم الصفاء والإخاء، وننبذ البغضاء ونترك الشحناء، فالقطيعة بين عموم المسلمين محرمة، وبين الأقارب والأرحام والجيران أشد حرمة، قال تعالى : «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم»، وقال الله تعالى : « إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من أحب أن يبسط له في رزقه أي يوسع له ويبارك له فيه وينسأ له في أثره أي يؤخر له في عمره ويزاد له فيه فليصل رحمه»، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه». فلنستعد ونشمر عن سواعدنا بكل ما نملك وبكل ما نستطيع، لندخل رمضان في ميدان المنافسة في البذل والصلة والعطاء، سواء كان بذلاً من الأموال زكاة أو صدقة أو بذلاً من سماحة النفس زيارة وصلة وإهداء وغير ذلك فالصدقة فيه مضاعفة، والإنفاق فيه هو يخلفه، ولنحذر الشح والبخل، فإنه أهلك الذين كانوا قبلنا، فالبخيل بعيد عن الله، بعيد عن الجنة، قرين الشيطان، وقريب من النار، فعلى كل واحد منا أن يتعاهد إخوانه الفقراء والمحتاجين والمنكسرين، والأرامل والأيتام والمعوزين، وأن يسخر أمواله لخدمة دينه العظيم، محتسباً بذلك الأجر عند من لا يضيع أجر المحسنين فعندما نشعر بحياة الفقراء ونعطف عليهم و نشاركهم الطعام والشراب فبذلك يتحقق للصائم أسمى غاياته وتتحقق في المجتمع أعلى درجات المشاركة الوجدانية والفعلية بين أبنائه.. فلقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون إلى ميادين الخير والإحسان فيه وخاصة في أيام شهر رمضان المبارك. كما أن علينا في استقبال هذا الشهر الكريم أن نربط بين العلم والعمل، و نهيئ لأنفسنا مزيداً من الأوقات نخصصها ونعيشها مع تفسير كتاب الله، ومع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نستمع إلى المواعظ والدروس، نخف إلى المساجد، نبقى في رحابها، نقضي الأوقات في ظلالها، والله سبحانه وتعالى يقول : «وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ». نسأل الله عز وجل أن يهل علينا هلال رمضان بالأمن والإيمان والسلم والإسلام والقوة والعزة والنصر والتمكين إنه ولي ذلك والقادر عليه. [email protected]