لم تكن الإرادة الشعبية فيما مضى من التاريخ مجرد هوى شخصي لفئة معينة، وإنما كانت تمثل العقل الجمعي الذي يحقق به الناس الخير العام والسلم الاجتماعي, ولذلك فإن المفكرين والفلاسفة عبر العصور المختلفة لم يختلفوا مطلقاً حول الإرادة الشعبية، بل رأوا فيها الفكر المستنير الذي يحقق الرضا والقبول ويعزز الوحدة الاجتماعية ويصون التلاحم الشعبي وأكدوا أن الإرادة الشعبية قوة في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية ووضعوها في مكان القداسة، لأنها ضد الشر والعدوان ومع الخير والوئام. لقد أدرك الفلاسفة والمفكرون بأن الخروج على الإرادة الشعبية الكلية خروج على نواميس الكون ورغبة شيطانية من أصحاب التسلط والنزعات العدوانية الذين يحاولون استعباد البشر وينكرون حقهم في المشاركة في صنع الحياة، وهؤلاء المتسلطون والعدوانيون لا يؤمنون بالإرادة الشعبية ويتجاهلونها، ولا يرون حق الشعب في امتلاك السلطة بقدر ما يرون أنهم هم وحدهم الأحق بالسيطرة وأن الشعب ليس أمامه غير تنفيذ إرادة الأقلية التي تتحالف مع الشيطان من أجل الاستعباد والقهر, وأعطى التاريخ السياسي نماذج متعددة لمن يرفض الإرادة الشعبية الكلية ويصر على فرض إرادته الفردية الخاصة, ووجد الفلاسفة أن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل احترام إرادة الشعب. إن التاريخ السياسي مدرسة الحياة التي ينبغي الاستفادة من عبرها، فالمشهد السياسي اليوم في اليمن يؤكد حقيقة تاريخية أن القوى التي لا تحترم حق الشعب في امتلاك السلطة وتسعى إلى استعباد الشعب وتتجاهل إرادته الكلية تستخدم أبشع وسائل العنف والإرهاب في سبيل فرض إرادتها الخاصة على الشعب كله وأن هذه القوى العدوانية تتحالف مع بعضها ليس من أجل الصالح العام وإنما من أجل تدمير الشعب والانتقام منه وسلب حريته واغتصاب إرادته ولم تدرك قوى الجهل والظلام بأن الشعب بات على قدر عالٍ من الوعي ولا يمكن أن يقبل بعناصر الفتنة التي تحاول الانقلاب على الشرعية الدستورية. إن المشهد السياسي الراهن في اليمن يعطي نموذجاً واعياً للإرادة الكلية للشعب التي تصر على حماية الشرعية الدستورية وتتصدى لقوى الجور والحيف والتخلف والإرهاب التي تحاول الانقلاب على الشرعية الدستورية وتستخدم أبشع وسائل الغدر والخيانة وإن الإرادة الشعبية أقوة من غدرهم وكيدهم لأنها مستمدة من إرادة الله.