لم تكن الرغبات الذاتية سبيلاً لتحقيق الصالح العام، لأن رغبات وأهواء الناس متعددة، ولأنها كذلك فالمجتمع الإنساني عبر مراحل التاريخ قد عانى من صراع المصالح والرغبات الذاتية والنزعات الفردية، وأعتبر المفكرون أن قيام الدولة هو الحد الفاصل بين النزعات والأهواء الفردية والرغبة في تحقيق الصالح العام، لأن الدولة تمثل الإرادة الكلية لسكانها، وهي المفوض الوحيد بامتلاك القوة واستخدامها ضد النزعات والأهواء الفردية التي تحاول أن تفرض إرادتها الخاصة على الكافة بالقوة. إن سيادة الدولة لم تأت من فراغ بل جاءت محققة للرغبة الكلية للمكون البشري للدولة الذي تفرض الدولة بصورة مطلقة له وعليه، لأن الدولة المفوض الوحيد بامتلاك القوة واستخدامها ضد من يتمرد على السيادة الكلية للشعب، فإنها الضامن الوحيد لحقوق الأفراد، والملزم الوحيد بالواجبات التي ينبغي على الأفراد القيام بها في سبيل تحقي الحياة المستقرة والآمنة، التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات ونزول فيها التمازات والعنصرية التي ألحقت الأذى بحياة الناس، ويظهر في الدولة ومع قوة سيادتها التساوي أمام الدستور والقانون فلا أحد يعلو على الدستور والقانون، ويصبح المعيار الوحيد لتفريق بين الناس هو مدى الالتزام بالضوابط الدستورية والقانونية. إن النزوع إلى الفئوية والطائفية والمذهبية والجهوية والمناطقية والقروية نزوع إلى الشر وفرض إرادة الأقلية على الأكثرية، ولذلك كانت المشاركة السياسية والديمقراطية الشوروية سبيلاً عملياً لمنع طغيان الأقلية وجبروتها على الأكثرية وسبيلاً لحماية حق الأقلية في المعارضة بالطرق السلمية، ولعل اليمنيون قد أدركوا هذه الحقيقة منذ فجر التاريخ وارتضت إرادتهم الكلية بالدستور والقانون واعتباره القوة التي لا تعلوها قوة من أجل حماية المجتمع من الاستبداد والاستعباد والطغيان، ومن هنا كان الحفاظ على الشرعية الدستورية واجبات دينياً بإذن الله.