من كتاباته اليومية لصحيفة الجمهورية الغراء وفي العدد 15223 الصادر بتاريخ 25 - 7 - 2011م تحت عنوان “ظلال”، تحدث الأخ الدكتور محمد النهاري عن ثورة 23 يوليو في مصر 1952 م حيث ذكر أبرز الأسباب التي أدت إلى نجاحها بامتياز اختتم حديثه قائلاً :” إن الثورة هي المحرك الأساس وان الشعب هو الطاقة التي تدفع المحرك للعمل وأن هذه الطاقة لابد أن تستغل استغلالاً حسناً وعاقلاً ومدروساً كيلا تصبح وقوداً يحرق الحياة ذاتها ويدمر كل شيء” انتهى كلامه. وقد ذهب فريق من المؤرخين إلى القول: إن الهدف من الثورة هو إحداث تغييرات جوهرية في النظام السياسي أو الاجتماعي لدولة معينة لا تتبع في إحداثه الوسائل المقررة لذلك النظام الدستوري لتلك الدولة وقال فريق آخر : إن الفرق بين الثورة وبين الانقلاب على نظام الحكم أن الأولى يقوم بها الشعب بهدف التحرر من الاستعمار والاحتلال الأجنبي أو التخلص من النظام الجائر المستبد والفاسد كالأنظمة الشمولية، والدكتاتورية، الكهنوتية، الاتوقراطية،المتسلطة والمتخلفة...أما الثاني أي قلب نظام الحكم يقوم به بعض الانتهازيين من رجال الحكم أو من خارجه بهدف الانقضاض على السلطة بطرق غير مشروعة بحجج واهية تدعو لمجرد إعادة توزيع السلطة بين الأشخاص القائمين به يترتب على نجاح الثورة سقوط الدستور وانهيار النظام الحكومي القائم لكنها لا تمس شخصية الدولة ولا تؤدي إلى سقوط التزاماتها الدولية كما لا تؤدي إلى إنهاء العمل بالتشريعات السابقة”. وعلى مر التاريخ شهد العالم العديد من الأحداث والتحولات التي أثرت وغيرت في مسار حياة وتاريخ الشعوب والأمم فقامت الحركات والثورات النضالية والاجتماعية واندلعت الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية بدعاوى التحرر والتغيير نحو الأفضل فأفرزت تلك الأحداث العديد من أنواع أنظمة الحكم المتعاقبة والتي في غالبيتها كانت لها مردودات ونتائج إيجابية وعادت بالخير والمنفعة على شعوبها وحققت الأهداف التي قامت وأنشئت من اجلها والقليل من تلك الحركات والثورات والأنظمة التي انبثقت منها وأنشئت على أثرها كانت لها أثار سلبية بل ومدمرة أحياناً كالانقلابات والفتن التي لا يتسع المجال لذكرها هنا. على ضوء ما سبق يمكن لنا أن نقسم الفئات والجماعات التي قادت تلك الثورات وكونت تلك الأنظمة الحاكمة على ما تركته من آثار ونصنفها إلى ثلاث: الصنف الأول: يبدأ بالعمل من حيث انتهى أسلافه في النظام السابق فيطور ويضيف إلى ما أنجز منجزات أخرى وهذه الفئة هي من تكون لها أهداف عظيمة يهمها في الأساس مصالح الشعب والوطن العليا. الصنف الثاني: يحافظ على ما تحقق للشعب من منجزات على أيدي من سبقه في الحكم بدون أي إضافات تذكر. الصنف الثالث: يأتي على تدمير كل ما أنجزه الشعب ورجال الحكم السابقون له ولا يضيف أو يحقق أي شيء وهذا النوع هو من يسعى بهدف الوصول إلى السلطة ولا يهمه مصلحة الشعب والوطن. ولو عدنا للمشهد اليمني وما يجري في البلاد من فوضى وخراب ودمار وتصرفات مجنونة ليس لها أي مبرر يقود هذه الأعمال والتصرفات مجموعة قوى مختلفة الرؤى والأيدلوجيات، لا تمتلك مشروعاً حقيقي أو أهدافاً واضحة يتفقون عليها ويقبل بها الشعب، وبالتالي نستخلص من ذلك أن هذه القوى المناهضة للنظام إذا ما نجحت في انقلابها والوصول إلى السلطة لا قدر الله فسنعتبرها من الصنف الثالث السابق ذكره الذي وسيلته الهدم لا البناء ولهذا فإن أي بلد يُثار فيه الفتن والمظاهرات والخروج على ولاة الأمور يتزعزع أمنه واستقراره وتنتشر فيه الفوضى والشغب الذي يؤدي إلى الاقتتال وسفك الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال وقطع الطرقات ويُطمع أعداء الإسلام فيهم، فيتخذوا من تلك الأعمال ذرائع ليتسلطوا على بلدان المسلمين وبأهلها من فتنة تحصل على العباد إذا وكلوا أمورهم إلى ذوي الفتنة والأهواء، الذين يقومون بتغرير جهلاء الناس ممن لا يدركون مآل الأمور فيفسدون في الأرض ويسفكون دماء المسلمين، فلا هم للإسلام ناصرون ولا للحق مظهرون وما هي إلا مطامع دنيوية وأفكار منحرفة يشعلون بها نار الفتن وهذا لعمري ما يحدث اليوم في اليمن ويسميه البعض بأنها ثورة، فهل يجوز أن نسمي هذه الفتنة اللعينة بأنها نزوة سياسية غير محسوبة العواقب؟ أم أن لها أبعاداً وأيادي تآمرية تقف وراءها؟ والله يقول: “كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين” صدق الله العظيم. فأين عقول كثير ممن يدّعون الإسلام؟! وهذا شهر رمضان الفضيل شهر المحبة شهر الغفران شهر التوبة حل علينا فهل لهم من توبة فيه؟ أخيراً نستنتج من ذلك: أي حراك أو انتفاضات أو احتجاجات تحدث هنا أو هناك ليس بالضرورة أن تسمى ثورة لكنها قد تندرج تحت مسميات الانقلابات والفتن خاصة إذا تخللتها أعمال العنف والشغب والقتل والتدمير. اليمن اليوم خالٍ تماماً من صور الأنظمة التعسفية الظالمة مما ذكرناه آنفا ليستدعي الأمر قيام “ثورة” فقد تخلص الشعب اليمني من هذا الاستبداد والظلم مبكراً ولم يبق له أي أثر أو وجود إلا في مخيلة قلة من المرجفين وأصحاب النفوس المريضة ممن أغواهم وأضلهم الشيطان وأعمت بصائرهم أطماع الدنيا، وهم حالة شاذة نسأل الله لهم الشفاء والهداية.. والظاهر مما يحدث اليوم في اليمن أن هنالك من يحاول إعادة تلك الظواهر والصور البغيضة إلى مجتمعنا اليمني ليعاني منها من جديد. من المتعارف عليه أن الثورة يقوم بها البسطاء والكادحون وتقودها كوكبة من المثقفين وأصحاب الفكر النير ورموز من طلائع الجيش والأمن من كل فئات الشعب ومن نفس الطبقة كما هو حال من قاموا بثورتي سبتمبر وأكتوبر العظيمتين، أما الفوضى العبثية التي تجري اليوم في اليمن ويعتبرها البعض “ثورة” فالذي يقودها ويدعمها هم “شلة من الأغنياء الذين أثروا مما نهبوه من ثروة وقوت الشعب ومن الأموال المدنسة والمشبوهة التي حصلوا عليها مقابل تنفيذ أجندات خارجية واستغلوا مطالب الشباب فأغروا بعضهم بالمال والطعام لتحقيق أهداف سياسية وشخصية ليس للشعب والوطن فيها ناقة ولا جمل.. والله من وراء القصد.