كنت قد تطرقت يوم أمس إلى حق الانتماء إلى الوطن وبدأت بالمهم وانتهيت عند الأهم، واليوم سأبدأ بالأهم ليدرك القارئ الكريم أهمية الحديث عن هذا الموضوع خلال هذه المرحلة المشحونة بالتعبئة الفكرية الخاطئة التي انعكست سلباً على مفهوم الولاء الوطني لدى بعض النشء الذين تلقوا جرعات فاجعة في مجال التعبئة الفكرية المجنونة. إن الولاء الوطني هو مبدأ شريف لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع التبعية أياً كان شكلها أو نوعها، وهو ولاء لله انطلاقاً من قاعدة “حب الوطن من الإيمان” والدفاع عن الوطن دفاع عن العقيدة والتخلي عن الوطن تخلٍ عن العقيدة، وقد جاءت الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر لتجسيد هذا المبدأ قولاً وعملاً على أرض الواقع، وقد مرت اليمن بمرحلة التخوف من الولاءات الحزبية والقبلية منذ 1962م إلى 1990م، وكان الخوف من الدخول في الانفتاح المطلق على التعددية الحزبية هو من باب الولاء فقد كان الخوف من أن يكون الولاء الحزبي أو القبلي لدى البعض أكبر من الولاء الوطني، وكان البعض يخشى من أن يتجاوز الولاء الحزبي الأحزاب نفسها ليتحول إلى ولاءات خارجية. إن التخوف الذي عاشته اليمن منذ 1962م إلى 1990م، لم يكن من فراغ على الإطلاق، وأنا هنا لست بصدد مناقشة الموضوع علمياً بقدر ما أود التحذير والتذكير، أما المناقشة العلمية فقد قدمتها في رسالة علمية هي رسالة الدكتوراه تحت عنوان “المشاركة السياسية في اليمن بين التقليدية والحداثة” من1962 2007م، ولذلك أقول إن الأحداث السياسية أثبتت أن بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية داخل تكتل اللقاء المشترك ما زالت تمثل القوى التقليدية التي لا تؤمن إلا بالولاءات الضيقة، وأن هذه القوى لم تستطع حتى الآن أن تصهر الولاءات الحزبية أو القبلية في إطار الولاء الوطني، والسبب الرئيسي في هذا الاتجاه أن هذه القوى جعلت الحزبية غاية وليست وسيلة. إن الأزمة السياسية قد أظهرت الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها أحزاب اللقاء المشترك التي جعلت من الحزبية غاية وليست وسيلة وركزت على الولاءات الضيقة وتجاوزت مفهوم الولاء الوطني، وهنا ندعو العقلاء والحكماء داخل هذه الأحزاب أن يستفيدوا من الأخطاء ويجعلوا من شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار محطة لمراجعة الذات والعودة إلى الله والاستفادة من المتاح من أجل الوصول إلى كلمة سواء بإذن الله.