مَرّ علينا عيد الفطر المبارك هذا العام على عكس كل الأعياد في الأعوام السابقة، فقد جاء باهتاً كئيباً خالياً من كل مظاهر الفرحة والبهجة والسعادة التي عادة ما تقترن باحتفالاتنا بهذه المناسبات الدينية الجليلة كما جرت العادة من بهجة وفرح وسعادة والسبب تلك الأزمة التي لا تزال تُلقي بظلالها السوداء الكثيفة على كل شيء في الوطن، وهي ظروف لم نألفها من قبل. دائماً ما ينظر الناس لأي عيد على أنه مناسبة للفرح والسرور والبهجة والحبور، إلا أن تداعيات الأزمة الراهنة كاستمرار التوتر السياسي وانتشار المظاهر المسلحة وتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطن والأوضاع الاقتصادية للبلد بشكل عام قتلت فينا فرحة العيد وكدرت أجواءه المُبهجة وحولته إلى هَمّ وغم لدى الغالبية العظمى من أبناء الوطن، حيث كان الخوف والقلق سيد الموقف طوال أيام العيد وطغى على كل مشاعر البهجة والسعادة والفرح المفترضة بهذه المناسبة، وإن كان البعض قد حاول الاستمتاع بالعيد إلا أنها لم تكن سوى مجرد محاولات خجولة لعل وعسى يشعر أو يحس بالقليل من هذه الفرحة والبهجة ولكن دون فائدة. حتى الأطفال الذين هم عنوان فرحة العيد وبهجته غابت الفرحة عن وجوههم بعد أن فقدوا مسببات الفرح لديهم من ملابس جديدة وغيرها من الاحتياجات العيدية بسبب الغلاء الفاحش للسلع والمنتجات يقابله ضُعف في القدرة الشرائية لدى المواطن، إضافة إلى شعور الأطفال بالخوف من اللعب في الشوارع، وهو الشعور الذي تولد في نفوسهم جراء أحداث العنف والفوضى التي أصبحت بالنسبة لهم بمثابة وجبة شبه يومية منذ شهور، وكثيراً ما قضت مضاجعهم وأقلقت منامهم، حيث أنهم وفي أغلب الليالي يستيقظون من نومهم مذعورين من أصوات الرصاص والمدافع والقنابل، وبالتالي فمع قدوم العيد قلت رغبة الأطفال في النزول إلى الشوارع للعب واللهو والمرح كما هي عادتهم وفضلوا المكوث في بيوتهم نظراً لتلك المخاوف التي عانوا منها خلال الفترة السابقة، كما أن بعض الآباء اضطروا إلى حبس أطفالهم في المنازل خوفاً عليهم من التعرض لمكروه في ظل أحداث العنف الجارية وأعمال الفوضى وما أكثرها هذه الأيام. كُنا نظن وبعض الظن ليس إثماً أن شهر رمضان سيمثل فرصة ملائمة لإنقاذ البلد من براثن الأزمة الخانقة وتجنيبها ويلات الصراع والدمار، وذلك باستثمار فضائل هذا الشهر المبارك وأجوائه الروحانية الإيمانية في تعميق قيم المحبة والود والتسامح وإزالة ما علق في النفوس من حقد وكره وبغضاء وشحناء، وإزالة كافة الاحتقانات السياسية ودفن كل الخلافات والتباينات وإلى الأبد، وخلق علاقات تكاملية بين كافة القوى السياسية قائمة على التفاهم والوفاق والتآلف في إطار شراكة كاملة تحقق مصلحة الوطن ومصالح أبنائه، لكن للأسف هاهو شهر رمضان غادرنا دون أن يغسلنا من أدراننا أو يزيل ما علق بنفوسنا من أحقاد وكره وبغضاء، فظلت القلوب والنفوس على حالها وكأنما لم تستفد من القيم الدينية والإيمانية والروحية والإنسانية للشهر الفضيل، فرمضان لم يستطع طوال أيامه ولياليه أن يفعل شيئاً سوى أنه مسح عن وجوه البعض الأصباغ ليظهروا على حقيقتهم البشعة وأطماعهم الأنانية، وأن قلوبهم أشد قسوة وغلظة من أن يؤثر فيها رمضان بكل قيمه الروحية والإيمانية. كنا نظن أن العيد لن يأتي إلا وقد انكشفت الغمة وأُزيلت لنهنأ بعيد فطر سعيد، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، كيف نهنأ بالعيد ونحن نرى أصحاب المصالح والأجندات الخاصة يدفعون بالأمور نحو المجهول ويدقون طبول الحرب ويقطعون الطريق أمام أية حلول سلمية للأزمة الراهنة؟! وكيف نهنأ بالعيد ونحن نرى تجار الحروب يحثون الخطى لتفجير الموقف إلى صراع دموي واقتتال بين أبناء البلد الواحد، سعياً وراء مطامحهم ومطامعهم ومصالحهم الخاصة ولو كان الثمن خراب وطن وتجويع شعب بأكمله.؟! يُقال أن العيد هو عيد سلام وأمن واستقرار، وهي أشياء افتقدناها في ظل الأوضاع الراهنة شديدة التأزم والاحتقان، فمن ذا الذي يشعر بفرحة العيد وهو يرى وطنه حزيناً يعاني الجراح ويكابد الآهات جراء ما يعانيه من أحداث مؤسفة؟!