لم يهتم المثقفون المعاصرون بالتراجم للأولياء والصلحاء والمفكرين والأدباء ومحبي الفنون. وهذه غفلة غير مناسبة, لأن هذه التراجم واحدة من مكونات ذاكرة الأمة. ولقد وجدت أن من طليعة التنوير في اليمن الحديث, بعض بعثات انطلقت من الجنوب والشمال تمثلت الأولى في حركة المهجر الحضرمي إلى شرق آسيا, خاصة (جاوا- الملايو- سنغافورا) هدفت أولاً إلى ابتغاء الرزق الحلال, ثم ثانياً لنشر الدعوة إلى الله ودينه القويم, إذ أسلم الألوف من تلك البلدان, ثم استطعنا أن نقف على ثقافة تلك الشعوب, إضافة إلى ثقافة المدونين الكتّاب من الذين قاموا بتلك الرحلات.. وحدثني الوالد اللواء محمد عبدالولي عبدالله الذبحاني أن لديه كتابات, يبدو أنه سجل فيها مذكراته, وخواطر رحلاته, خاصة إلى العراق. كان اللواء الذبحاني أحد أفراد البعثة اليمنية التي شملت بعض الأحرار كأحمد الحورش, فعاد المذكور ليشغل عدة مناصب في الدولة من بينها وزير الداخلية إلى أن انتهى به الأمر ليشغل منصب مستشار وزارة المواصلات. لقد عمل الوالد محمد عبدالولي في مرافق الدولة المختلفة ابتداءً من العهد الملكي, إذ كان لأمانته ونزاهته محل ثقة الإمام أحمد حميد الدين آخر أئمة اليمن الحكام الذي قامت على نهايته الثورة المباركة في سبتمبر عام 62م. بين الحين والآخر أسعد بزيارته, فما رأيته وقد سعدت بصحبته في صنعاء زمناً إلا قارئاً للقرآن الكريم أو مطالعاً لكتاب, وأول ماأرشدني لقراءته هو كتاب(تاريخ بغداد) من عدة مجلدات. وفي مكتبته عشرات الكتب النافعة من أجمل ثمرات المطبعة العربية. ولقد أخبرني أنه سيوصي بمكتبته لجامعة تعز لتكون بين يدي أبنائنا الطلاب والطالبات, كما ذكرني أن كتباً كثيرة ضاعت بسبب استعارتها وعدم ردها. كنت ومازلت أتمنى أن أجد وقتاً يسمح لي بالجلوس إلى هذا الرجل الفاضل الزاهد الخاشع المتصدق الورع، لأفيد من علمه وحنكته وتواضعه فهو رجل دين ودولة وحكمة وله ذكريات مع الرجال، فبالرغم من بلوغه التسعين إلا أنه في كامل الإدراك والوعي.. أسأل الله له ولي حسن الخاتمة وكثّر من أمثاله وتقبل الله صالح عمله إنه سميع مجيب.