وأخيراً ترجّل الفارس .. واحد من أبناء تعز الذين خدموا اليمن بصدق في عهديها الملكي والجمهوري, إنه اللواء الركن محمد عبد الولي عبد الله الذبحاني تغمده الله بواسع رحمته. وهو يستحق أن يكون عنواناً عريضاً في صفحات الوطن لقاء مواطنته النزيهة وكفاحه الشريف وصدقه وأمانته حين حمل أمانة المسئولية. كان بإمكانه أن يكون معروفاً عند من لا يعرف أخلاقه وصدقه وورعه, ولكنه سلف رجال كانت تجارتهم التواضع وهي تجارة رابحة لو علم المراؤون. لقد غرس الخلق الرباني في شخصه قيماً فاضلة فكان وقد نيَّف على التسعين وصولاً لأرحامه يتفقدهم بالصلات والبر ويحسن إلى جيرانه, يسعى في صالح القريب والبعيد, يتكلف مشقة السير إلى مكان بعيد لقضاء جاجة من يلوذ به ويلجأ إليه .. كان شديد الورع وقد كان قادراً أن يكون ذا مال عريض ولكنه خلق الإسلام الذي ينفث في روع محبيه أن يقبلوا على الدنيا ما يكفي أود الحاجة .. وطيلة معرفتي به مما يزيد على عقدين من الزمن فما رأيته إلا (طارف) الدمعة خشية الله قارئاً للقرآن أو ذاكراً وساعياً من أجل مصالح العباد، وعندما تجلس إليه لا تسمع غير طرفة أدب أو موعظة نفس أو تفسير آية أو نص حديث شريف أو حكمة أو مثل ... وآخر ما ذكرني في زيارة له قبل بعضه أشهر أن سيوصي بمكتبته لجامعة تعز هذه المدينة التي هي دار المعرفة والثقافة والتسامح والثكلى لفقد أعلامها الكبار ومنهم فقيدنا الحميم. تولاه بالرعاية في مرحلة اليتم استاذ الأحرار الوطني الكبير أحمد محمد نعمان, فلقد تخرج عليه في دراسة الفقه واللغة والتفسير وفنون الأدب والتاريخ وهو يمت بقرابة إلى الأستاذ, ثم كان سفره إلى بغداد في بعثة عسكرية مع ثلة من أبناء اليمن الكرام السيد إبراهيم بن عمر بن عقيل باعلوي والشهيد أحمد الحورش وغيرهما, فكان الفقيد مثالاً للعسكري الوطني المثقف المنضبط .. في البيت كان يعلو صوته بغضب حين لا يهب الصغار لتلبية أذان الفجر .. قال لي ابنه المهندس محمود: تصور على سني هذه وهو يسألني إن كنت قد أديت الصلاة بوقتها أم لا. تعز كلها عاشت وتعيش حداداً لفقد هذا الرجل الكبير .. الجميع يبكي وأحسب أن أسراً كثيرة ستجزع جزعاً كبيراً لأنه كان يعولها في الصدقة سراً. كان الفقيد استاذاً في المروءة, لاينهر مسيئاً وإنما يأخذه بالحلم والطريق التربوي الهادئ، وحين تسطر تعز حوليات رجالها الابرار وحين نفقد سطوراً منيرة في صفحات اليمن وحين تبكي السماء على بعض عباد الله انتقلوا إلى رحمة الله يوم الخميس, السادس والعشرين من يناير, فسيكون من بينهم الوالد اللواء الركن محمد عبد الولي عبدالله الذبحاني تغمده الله برحمته وإنا لله وإنا إليه راجعون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.