البعض من الناس رجالاً كانوا أو نساءً لا يملك “فرامل” لغوية يستطيع عن طريقها أن يوقف سيل مفرداته الخارجة عن حدود اللياقة والأدب سواءً كان غاضباً أم لم يكن وسواءً كانت مناسبة للموقف أم لم تكن وسواءً عبرت عن الحدث بشكل كامل أم لم تفعل، وكأن الناس من حوله مجبرون على سماع تفاهاته ونقائص ألفاظه بل وكأنهم خالون من الحياء والخجل واحترام الذات وإذا كنت من هؤلاء فاعلم أنك ستخسر الكثير ممن حولك بالإضافة إلى أنك ستخسر احترامك لنفسك وستختلط عليك بعض الأوراق التي كان من المفترض أن تبقى موجودة وفق ترتيب معين، واعلم أنك بتلك الألفاظ السيئة لن تستطيع أن تثبت حقاً أو تنكر باطلاً لأنك مهما كنت على حق إلا أنك تغلف ألفاظك بالباطل وستجد أن من يقف حولك من الناس ويؤمن بك كما أنت يبتعد سريعاً قدر ما يستطيع صامّاً أذنيه عن كل كلمة يمكن أن تحييك في قلبه من جديد. نحن ننتمي لمجتمع لا يهتم كثيراً بأمور اللباقة في الكلام واللياقة في طرح الأفكار وقد يوجه أصابع السخرية والاستهزاء إلى من يحاول أن يكون إنساناً حضارياً بمعنى الكلمة أو بمعنى أوضح أن يكون إنساناً مسلماً متحدثاً بلغة القرآن والسنة التي حددت بدقة متناهية معنى أن يكون الإنسان مسلماً “ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” فهل أنت مسلم حقيقي لتمارس ألوان السباب والشتائم وتلقي بها في وجوه الناس وعلى مسامعهم دون أن يكون لذلك أي فائدة تجنيها سوى الكثير من الإثم والكثير أيضاً من نظرات الغمز واللمز التي لا تراها عيناك ! هل أنت مسلم حقيقي حين تجعل من لسانك سنارة لاصطياد هفوات الناس وأخطائهم وصفاتهم الشكلية والخلقية وكأنك كامل الأوصاف المتنزه عن النقائص ؟!! هل أنت مسلم حقيقي حين تهتك أعراض الناس وتقذف أمهات الآخرين وآباءهم بالسوء وهم بريئون منه كل البراءة ؟!!من أنت أيها الإنسان الذي أوقدت بين شفتيك نار السوء والبهتان وكأن الله لا يستطيع أن يقبض هذا اللسان فلا تسعفك الحروف ولا تنقذك الكلمات بعد اليوم، تجمّلوا بحسن الخلق فوالله لا تكسو عورة الإنسان ولا تسترها إلا مكارم الأخلاق ومعاليها. وكم من إنسان دميم ربما في منظره الخلقي “بفتح الخاء” لكنه يفرض عليك الانحناء احتراماً لدماثة خلقه وحسن معشره ونزاهة ألفاظه عن العيب والبهتان والخطأ وكم من إنسان منحه الله جمال الهيئة وحسن التقاسيم ولا تستطيع أن تقف إلى جواره دقيقة واحدة، إذ أنه يسخر لسانه للعبث بأعراض الناس والسخرية منهم وقذفهم بماليس فيهم لدرجة أن البعض تصل به عثراته اللغوية للسخرية من أقدار الناس ومصائبهم وما قد يختبر الله به إيمانهم وصبرهم على البلاء وكأنهم يأمنون مكر الله في أن يبتليهم كما يبتلي هؤلاء والحقيقة نحن نعاني من عقدة نقص قاتلة تكاد تحكم على شعب بأكمله بالإعدام، إذ من الملاحظ أننا ننظر لبعض الشعوب التي تمتلك حرافة لفظية وراقية نظرة إعجاب قد يسيل على إثرها اللعاب ! لكن السؤال : لماذا لا تكونون مثل هؤلاء؟! لماذا نصر دائماً على التقاط الألفاظ والمسميات الترميزية القبيحة ولا نحاول أن “نغمس” ألسنتنا بالعسل ؟!! لماذا نبقى دائماً كالذباب لا يقف إلا على أقذر ما يمكن أن تخلفه بشاعة الإنسان ؟!!! احترم كثيراً بعض الذين يحاولون أن يكونوا أكبر من حجم الخطأ وأعلى من سقف الصواب وأطهر من رذاذ السفه وأجمل من كل معاني السمو، ولم يخطئ من قال قديماً: أن المرء مخبوء تحت لسانه لأنه ما من إنسان يتدلى لسانه خارج فمه ويتجاوز إدراكه حدود عقله وتنفلت أعصابه في كل مرة يحاول فيها التقاط ألفاظه إلا وتجد في وجهه سمة الخبث والحقد والضغينة، إنه يهين نفسه ويحتقرها في كل مرة يعتقد فيها أنه يفعل ذلك بسواه من الناس، وللأسف أن من يبحث عن الشهرة عن طريق المقارعة والمراء واجترار الألفاظ والمسميات يكون قد بحث عن هاوية في جهنم لما لهذا من أخطار أخلاقية ودينية توقع صاحبها في شر نفسه وقد توقع الناس في شرّه ليحمل وزراً ثقيلاً لا ينفك إلى يوم القيامة، وقديماً عندما قال الشاعر : إذا نطق السفيه فلا تجبهُ فخير من إجابته السكوتُ ! لأن السكوت هنا لا يعني الضعف بقدر ما يعني الترفع عن السخف والهرج والشطط.