لم تكن القوى التقليدية التي لا تؤمن بالمصالح العليا للوطن بقدر إيمانها المطلق بمصالحها الأمنية والذاتية أكثر من نفعية وانتهازية على مر التاريخ السياسي لليمن المعاصر، فعقب الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر عامي 621963م ظلت تلك القوى عقبة كأداء في طريق التنمية، ولم يكن لها من همّ غير استثمار الأحداث والحروب لجني المكاسب المالية وإحكام السيطرة على الشعب ومحاولة استعباده وإذلاله. فقد أعاقت تلك القوى انتشار التعليم، ولولا حركة الاغتراب التي تعود عليها اليمنيون لظل المجتمع اليمني خاضعاً لتلك القوى، يجهل الحياة والحرية، ولا يعرف أحداً في الكون غير تلك القوى المتحكمة فقط. إن حركة الاغتراب التي سلكها اليمنيون بحثاً عن الرزق وهروباً من جور القوى التقليدية التي كانت تتحكم في مناطق اليمن وتمنع التحديث والتطوير ليظل الشعب جاهلاً قد أحدثت تغيراً جذرياً في سلوكيات الفرد اليمني، ساعد على إحداث التطور والتحديث، وساعد الدولة على تحريك عجلة التنمية، وخصوصاً في مجال التعليم. بل أستطيع القول: إن الاغتراب أسهم إسهاماً فعالاً في مجال التنمية والتحديث ليس في مجال عائدات المغتربين التي أسهمت في دعم الاقتصاد الوطني فحسب، ولكن خلق الرغبة والقناعة الحقيقية في إحداث تغيير جذري في حياة المواطن في الريف والمدينة على حد سواء، فعلى سبيل المثال في مجال التعليم عاد المغتربون بانفتاح متنور على التعليم، ودفعوا بأبنائهم إلى المدارس، بل إن بعض المغتربين أسهموا في بناء المدارس. لقد اكتسب المغتربون مهارات وقدرات أخرجتهم من حالة العزلة والخضوع المريع لشيخ المنطقة، ومنحهم الاغتراب ثقافة وجرأة غير عادية في مواجهة القوى الجاحدة التي كانت تريد بقاء الشعب في الجهل والظلام، لتتمكن من إحكام السيطرة عليه. والأكثر من ذلك أن المغتربين الأكثر تطلعاً لنمو الشعب وازدهاره عادوا إلى الوطن وقد حصلوا على أكبر قدر من العلم والمعرفة الذي أكسبهم حب الناس واحترامهم، ومكنهم كل ذلك من الإسهام في تحريك عجلة التنمية في مختلف المجالات، وقد ظل المغترب اليمني مصدر التحديث والبناء والوعي المعرفي، الأمر الذي جعل قوى التخلف تتأخر في تقدم الصفوف، وأحدث لديها ردة فعل حاقدة على كل فعل وطني وإنساني، ورغم ذلك فإن الدولة قد بذلت وسعها من أجل بناء الإنسان بإذن الله.