ليس هناك أسوأ من هذا الواقع المؤلم والموجع الذي تعيشه مدينة تعز اليوم، وأبناء مدينة تعز.. تعز.. تتوجع.. تتألم، وتئن من وطأة ما ألمّ بها من خطوب وتكاد تتحول معها إلى مدينة أشباح يسود فيها قانون الغاب في ظل صمت أبنائها، الذين نراهم يخفون أوجاعهم وآلامهم وإبقاءها طي الكتمان.. ما يحدث اليوم في تعز وما شهدته من أفعال وأعمال تخريبية وفوضوية طال أكبر وأهم المكاتب التنفيذية في المحافظة «مكتب التربية والتعليم» ومكاتب تنفيذية أخرى وعدداً من البنوك والشركات والمؤسسات والمدارس الأساسية والثانوية وأدى بالتالي إلى تعطيلها وإغلاقها لا يمكن اعتباره جزءاً من الفعل الثوري..، كون الفعل الثوري أرقى من أي عمل يستهدف تعطيل الحياة، وشلّ الحركة في هذه المدينة أو تلك.. الفعل الثوري هو فعل أخلاقي وقيمي..، فعل يستهدف التغيير والوصول إلى الأفضل بطرق سلمية بعيدة عن التضليل والتجهيل والخداع، وعن الفوضى وأعمال التخريب وتحويل هذه المدينة أو تلك إلى مدينة أشباح لا عنوان لها سوى عنوان الخوف والرعب والقلق، والتطرف والإرهاب.. تعز وأبناؤها لا يستحقون هذا الفعل الذي ساد هواءها وطبيعتها وطغى على كل مفردات الحياة حديثاً لا ثاني ولا آخر له.. تعز هي الفعل الثوري الناضج والاستمرارية المتطورة للحياة منذ أن أعلنها الشعب ثورة ضد التخلف والجهل والمرض الإمامي، فما بالنا نسينا أو قفزنا على هذا الفعل واستدعينا فعلاً آخر لا يمكن القبول به تحت أي مسمى من المسميات الباحثة عن التغيير وعن الأفضل!.. تعز وأبناؤها عنوان كبير للحياة المتطورة في يمن الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، يمن كتبت حروفها بمداد قلوب أبنائها الذين قدموا حياتهم رخيصة من أجل علو الوطن ورفعته وشموخه منذ أكثر من خمسين عاماً مضت.. هي تعز أيقونة اليمن ودفتر مجدها وخلودها، وبوابة عطائها المدوّن في سجل التاريخ بحروف بهية لا يمكن أن يطالها النسيان أو يتآكلها الصدأ.. هي تعز من كتبت حروف اسمها في كل اليمن بعناوين العلم والثقافة والوعي..، والتمييز الواضح بين ما ينفع الناس ويمكث في الأرض ويبقى، وبين ما يذهب جفاء غير مأسوف عليه.. ليس من عناوينها قطع الطريق وترهيب الناس، وليس من عناوينها ممارسة أعمال الفوضى وإغلاق مؤسساتها التعليمية والخدمية، وتعطيل الحياة في أجزاء كبيرة منها.. تعز هي قائدة التغيير في البلد منذ عقود مضت، ومصدّرة الوعي إلى كل اليمن فهل ما تشهده اليوم هو جزء من تاريخها في الأمس..؟ نحن مع التغيير، ونتمنى أن تنتقل اليمن إلى الأفضل في كل شؤون الحياة.. ولكن ليس عبر الإساءة إلى تعز وغير تعز وممارسة الأعمال الفوضوية المدانة التي نراها اليوم وقد ارتسمت بوضوح بألوان قبيحة ومسيئة.. نحن مع التغيير ولكن ليس عبر العنف وإدماء عيوننا وقلوبنا وقتل الحياة..، وليس من خلال القفز على واقعنا الذي يتطلب منا التعامل معه بحذر شديد.. نحن مع التغيير في تعز وفي كل اليمن.. ويجب أن تكون دعواتنا للتغيير أنضج فعلاً وأرقى عملاً، وليكن وصولنا إلى هذا الهدف الشعبي مغايراً عن سائر البلدان والشعوب.. لأن اليمن أرض الحكمة والإيمان.. وهي اليمن التي وصف نبينا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أهلها بالأرق قلوباً والألين أفئدة.. علينا أن نسمو بتفكيرنا ونسمو بأعمالنا ونسمو بأقوالنا، فما يحدث اليوم في تعز وفي غير تعز لا نرضاه ولا نقبل به كونه سيؤدي إلى زيادة المخاطر التي لا يعلم مداها غير الله تعالى.. لنوقف هذا النزيف من أجلنا ومن أجل اليمن..