للصورة في عالم اليوم جبروت وسطوة على تفكير الإنسان وإحساسه، لقد صرنا كائنات مكبلة بقيود المشاهدة التي تكيف أمزجتنا كيفما تريد ولا نملك حيال ذلك إلا أن نفر من محطة فضائية إلى أخرى طمعاً في الخلاص والهروب، ولكن يستحيل ذلك لأن التكنولوجيا ذات طبع انتهازي تعطينا الكثير وتأخذ منا الأكثر وقانونها لا يسمح للفرد المعاصر إلا بأن يكون «مادة» تتجاذبها أطراف الصورة في مربع الافتتان والغواية. لقد جيء بالصورة التلفزيونية إلى عالمنا لتكون سلاحاً بيد الحقيقة، وليصبح المتلقي معها كشاهد عيان يشارك في توجيه مسار الشفافية والعدالة وتنتصر للأخلاق والفضائل والمثل، لكن قانون الصورة يستعصي على البقاء في قبضة «الحقيقة» التي هي الخالق الأساسي للحظات المتعة والتسلية، ذلك أن الصورة تتمادى اليوم في خلط الأوراق أمام المشاهد المتلقي وتمعن في تبخير الحقيقة أو إذابتها في محلول «المونتاج» لتصبح قالباً يؤتى به للاستدلال على فكرة معينة أو ما يناقضها في نفس الوقت إد المهم في معيار «الصورة» وصنّاعها أن تتحقق الإثارة والانقياد الكامل من عقل المشاهد وقلبه لما تحمله الصورة من مضمون لابد أن يكون له أثر في سلوكه. مع هيمنة «الصورة» في الخطاب الإعلامي المعاصر تتقزم «الكلمة» وتصبح عبداً ذليلاً لإخراج المشهد التلفزيوني وهو ما جعلها فارغة من الدلالة الإنسانية التي تراعي آدمية المشاهد وتطلعاته وضرورة تثقيفه بالحقيقة وتزويده بالوعي الصحيح ليعبر الجسور إلى المستقبل المشرق. هل أصبحنا حقل تجارب لتناقضات ومطارحات إعلامية تأتي فيها «الصورة» لتنزع عنا لباس التفكير ثم ترمينا على قارعة «اليأس» نبحث عن لحظة «أمان» أو واحة من «هدوء» نستريح فيها من عناء التوتر؟! في العصور الذهبية للكلمة كانت ثقافة «الحرف» تمنحنا الفاعلية وتخلف فينا النشاط الفكري والجسدي الذي يجعل صاحبه إنساناً إيجابياً، لأنه يتحرك بالمعرفة ويحركها.. كما أن «اللغة» تمنحه القدرة على التحليل والتعمق في القراءة ليبني الوعي الصحيح، لكن عصر سيادة «الصورة» لا يمنح الإنسان تلك القدرة ولا يساعده على اتخاذ تلك الإيجابية، فنحن أمام «الصورة» لسنا سوى مخلوقات سلبية لا تفكر ولا تتحرك وإنما «تنفعل» وحسب، والذي يفكر هو من يصنع «الصورة» في ظل غاية تنشدها كل مؤسسات الخطاب الإعلامي وهي الإثارة وصناعة الدهشة. هذا هو الواقع الذي نعيشه.. وإننا فيه ليس سوى كائنات انفعالية بفعل الدهشة والإثارة التي تخلفها «الصورة» حين نمسي ونصبح متسمرين أمام شاشات التلفزة غير فاعلين ولا نفكر فهل إلى مخرج من سبيل؟! [email protected]