لم يعد شباب هذا الزمن فقط يلتقطون حكمةَ الكبار، ولم يعد شباب العصر يخضعون لسلطة الكبار كما جرى من فجر المجتمعات؛ صار الشبابُ هم الذين يحكمون العالم. حقيقة ناطقة، أسمعناها أم تغاضينا عن الاستماع إليها. إنه عصرُ حكم الشباب، عصر رأيهم، وعصر قيادتهم.. هم طاقات هائلة، وباقاتٌ عملاقة من الألق في الفكر.. وروّادٌ جُدُدٌ لعوالم جديدة، عوالم لم يزرها ولم يرها الكبار، فلم يعد منطقياً أن يتولى كل شيءٍ الكبار.. ولا واقعياً. ولم يعد هذا أمراً جدلياً، إنهم فعلاً هزّوا العالمَ كبراكين زاخرة بالحمم هدأت لأحقاب ثم ثارت بمطالب الشباب. إن الصورة الذهنية التي رسمها الكثير من الكتاب والمثقفين والسياسيين العرب عن الشباب العربي حتى وقت قريب تمثلت أنه جيل سطحي واستهلاكي وغير قارئ وغارق حتى أذنيه في الثقافة الغربية الاستهلاكية ويعيش حالة من التيه والضياع والسلبية واللامبالاة وغيرها من المفردات السلبية.. بينما ما جرى ويجري الآن في بلادنا والعديد من دول الوطن العربي من أحداث وتغيرات صنعها ويصنعها الشباب, قلب هذه الصورة رأساً على عقب، إذ تبين أن شبان الجينز والفيس بوك ومقاهي الانترنت يكتنزون زخماً ثورياً ضخماً يفوق بكثير كل الأجيال السابقة. وإن الشباب اليوم هم الكلمة الأقوى والرقم الصعب الذي لا يمكن تجاهله أو الاستهانة به من قبل الأنظمة والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع. إنه عصر الشباب بامتياز, فقد بات من غير الطبيعي اليوم أن يكون هناك حديث عن التغيير والتطوير والإصلاح دون أن يستدعي ذلك ذكر للشباب. فهم القوة الحقيقية للتغيير وصناعة المستقبل المشرق للوطن، وهم من يضعون عناوين حياتنا بما نريد ونطمح. وحدهم من أعطى بلا انقطاع ومن وثب نحو العليا وزاحم النجوم والكواكب، ليصير منهم الشهيد والحارس الأمين على مكتسبات الوطن. ومنهم نستمد عافيتنا، و تتجدد خلايا الإبداع في عقولنا وأفكارنا. على شبابنا اليوم أن يبرهنوا بأنهم الأقدر والأكثر حرصاً على مصلحة الوطن وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم وتطلعاتهم في بناء الدولة المدنية الحديثة, وأن بإمكانهم أن يكونوا مشاعل وقادة وصناع للتغيير في أوطانهم ومجتمعاتهم. ويحققوا لها ما عجزت عن تحقيقه أحزاب وتنظيمات سياسية خلال مسيرتها التاريخية في الحكم أو المعارضة, وذلك من خلال تسلحهم بروح الولاء والانتماء والحب للوطن, ووعيهم وإدراكهم بواجباتهم ومسؤولياتهم نحو هذا الوطن, وتكاتفهم وتوحيد صفوفهم وأهدافهم ورؤاهم واتجاهاتهم حول ما يحقق الخير والتقدم والنماء لوطنهم ومجتمعهم وأمتهم. وبعد هذه التحولات التي قام بها الشباب يبدو من الصعب التنبؤ بالأحداث من خلال تحليلات مكررة أو قراءات مسبقة. فالشباب الآن يكتب تاريخًا جديدًا، ومن المهم جدًا أن يترك له الحيز الأكبر في ريادة المستقبل. والتغيير الذي حدث في الخريطة السياسية والإصلاحية في مجتمعاتنا العربية عبر سواعد فتية وأفكار جديدة يستخدمها الشباب ويعجز الكبار عن إدراكها أو اللحاق بسرعتها، هو أمر يستدعي إعادة النظر في الخطط العقيمة التي لم تؤتَ ثمارها كما يجب في التعامل مع شريحة الشباب, وأصبح من اللازم على الجهات الرسمية والخاصة المعنية بالشباب والقائمين على الأنظمة السياسية والتعليمية مواكبة الأحداث كما هي في الواقع، وبما تستحقه من اهتمام. وأصبح من الضروري اليوم أن نفتح قنوات جديدة للاستماع والحوار والمناقشة مع الشباب والاهتمام بقضاياهم ومتطلباتهم، فهم قادمون وبقوة للمشاركة في البناء والتغيير والإصلاح؛ لأنهم نصف الحاضر وكل المستقبل، وفي إطار ذلك لا ينبغي للمؤسسات الرسمية والمنظمات السياسية والاجتماعية وكذلك المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية أن تبقى في موقف المتفرج على هذا الجيل من الشباب, الذي لم يعد جيلاً يسمع الراديو فقط ليتعلم مما يقال. بل أصبحت أمامهم آفاق متنوعة من فضاءات التواصل بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات والتقنيات الإعلامية الجديدة.. وهي وسائط تنقلهم سنوات ضوئية عن جيل الراديو، وتضعهم مباشرة في قلب الحدث، في زمن أصبحت فيه المعرفة تتجاوز سرعة الضغط على زر الماوس أو (الكيبورد)! فهل نتجاهلهم؟ وماذا نحن فاعلون من أجلهم؟ ختاماً أتمنى من شبابنا الطموح بتحقيق مستقبل أفضل لهذا الوطن وأبنائه أن يجعلوا الوطن ووحدته وأمنه واستقراره أكبر همهم ومصدر فخرهم وعزتهم والقاسم المشترك لتوحيد رؤيتهم وأهدافهم وجهودهم لتنميته وتطويره وحمايته والنهوض به في مختلف المجالات باعتبارهم حزب الوطن الكبير وقلبه النابض والمفعم بالحياة وحاضره ومستقبله المشرق بإذن الله. (*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]