رغم أنني شديد التفاؤل، ومن المتمسكين بحبل الأمل بقوة إلا أن إحساسي هذه المرة يبتعد كل يوم أكثر عن التفاؤل والأمل على خلاف الكثيرين ممن أصبحوا على درجة عالية من التفاؤل بعد توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة. أخطر ما يترصد بهذه المبادرة وآليتها هو كثرة خصومها وهو ما ينذر بتوزيع دمها على القبائل، والتالي سيكون من الصعب تحديد الجاني منفرداً. حتى هذه اللحظة ظهر أعداءٌ للمبادرة وآليتها وأفصحوا عن موقفهم تجاهها خصوصاً أن هذه المبادرة بآليتها قد أسقطت آمال البعض من الذين خلطوا بين الخاص والعام وبين التجارة والسياسة وجعلوا من خلافات الأطفال والصغار مشكلة تستحق أن تتحول إلى أزمة بلد وشعب. وفي سياق كهذا يحكى أن رجلين كانا تاجرين في سوق من أسواق العرب، وفي يوم من الأيام حدثت مشكلة بين زوجتيهما وكانتا على درجة عالية من الصحبة. كانت المشكلة بسبب فخر إحدى الزوجتين بأن زوجها أكثر جاهاً ومالاً ومكانة في السوق وهو مالم يعجب الثانية فبدأت المشكلة وتطورت إلى أن توعدت كل واحدة منهما الأخرى بما لايخطر على بالها، فانتقل الخلاف إلى الزوجين واشتدت العداوة مما استدعى تدخل العشائر وتحول الخلاف إلى حرب بين العشيرتين فاحترق السوق واحترقت تجارة الرجلين وبقية التجار في السوق الذين لا ذنب لهم وسقط الضحايا جراء التعصب، والمسألة كلها بدأت بخلاف بين النساء يقوده الفخر والتباهي. لو أن الوعي حاضر لدى جميع الأطراف لما تحولت المشكلة إلى حرب طاحنة ذهبت معها وبعدها التجارة والأموال والدماء والأرواح، وهكذا تحكي الشواهد التاريخية التي يفترض أن تكون عبرة وعظة للجميع. أعود لمسألة أعداء المبادرة الخليجية الذين سيسعون جاهدين غير مجاهدين بالطبع، لإسقاطها لحسابات خاصة بهم؛ لأن شياطين الإنس والجن يشتغلون بحماس منقطع النظير هذه الأيام على تفسير المبادرة وآليتها وقراءة ما ليس مكتوباً فيها وإظهار خبايا لاتدل عليها الألفاظ، وكل من باب التأثير على مفاهيم وقناعات الناس، ومن باب بيع الكلام في الصحف والمواقع الإلكترونية. القراءات والتفسيرات الخاطئة تدفع نحو توتير الأجواء وحدوث ردود فعل غير ممنهجة وغير مدروسة يكون من عواقبها التمرد على الحلول التي جاءت في سياق المبادرة وآليتها. لو أحسن الجميع النوايا وفكروا جيداً لهانت كل التنازلات التي يُقدمها الطرفان أو جميع الأطراف بمن فيهم الأطراف غير الموقعة على المبادرة، من باب الحرص على سلامة الناس والبلد والأسواق والتجارة وهذا كله يندرج ضمن قيم الدين القويم والإنسانية التي لم تشوهها الحسابات الخاصة والمصالح الدنيوية الحقيرة. على جميع الناس القبول الأخلاقي بالتنازلات التي قُدمت طالما كانت مصلحة الجميع وكان باب للخروج من المعاناة القاسية التي يتكبدها هذا الشعب في كل الجوانب، وعليهم أن يغلقوا الأبواب أمام الشياطين الذين يزينون لهم المصائب. ثمة من يقول إن هذه المبادرة وآليتها قد أسقطت النظام وهو غير صحيح والقصد من ذلك هو استفزاز أنصار الحزب الحاكم لإفشال المبادرة. بينما يرى آخرون أن المبادرة الخليجية وآليتها قد اسقطت السقوط وأحرقت عبارات (الرحيل) وبالتالي أصبحت تلك الشعارات سخيفة وكلاماً فارغاً وبالطبع فإن كل متعصب لطرف يستفزه الكلام الذي لايريده، وهذا يشكّل تهديداً إضافيا على المبادرة وآليتها ويأتي على حساب التفاؤل والأمل بإمكانية الخروج من هذا المأزق، ولا أدري إن كان الوقت القادم يفاجئنا بما لايخطر على بال وبما هو أصعب وأشد من هذا الذي نراه حتى اللحظة!!