لا شك أن ذكرى الاستقلال هذا العام تختلف عن كل ذكرى سنوية ماضية، كونها هذه المرة تتزامن مع الوفاق الوطني الذي تحقق بعد التوقيع على الآلية المزمّنة لتنفيذ المبادرة الخليجية، والتي ترسم مستقبلاً واضحاً ليمن أكثر ديمقراطية وحرية من خلال فترة انتقالية واضحة المعالم رسمتها الآلية التنفيذية ببنود مزمنة لا تقبل اللبس ولا التأويل أو التسويف، وإنما تلزم كل طرف من أطراف الأزمة السياسية بتحمل مسؤليته إزاء كل بند من بنودها على حد سواء، وفي حالة نكثان أي طرف بالتزاماته فعليه تحمّل العواقب الوخيمة التي سيتخذها مجلس الأمن الدولي بحق من يعرقل تنفيذ بنود الآلية المزمّنة. إن فرحة ذكرى الاستقلال الذي تحقق في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م بجلاء آخر جندي بريطاني من جنوباليمن العزيز تأتي هذه المرة مع فرحة الشعب اليمني كله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بتحقيق الوفاق الوطني بعد التوقيع على الآلية المزمّنة لتنفيذ المبادرة الخليجية التي مثلت مخرجاً وفرجاً من أزمة سياسية طاحنة أضرت بالناس وبسبل حياتهم وعيشهم وأعمالهم ومداخيلهم اليومية كان السبب فيها هو محاولة أحزاب اللقاء المشترك والقوى المتحالفة معهم الانقلاب على الشرعية الدستورية والقفز إلى سدة الحكم بالقوة والعنف دون مراعاة الإرادة الشعبية التي لا تقهر والتي بالفعل تصدت لتلك المؤامرة وأفشلتها وجعلتها تذهب أدراج الرياح. إنه لمن الإنصاف أن نشير إلى من جعل الفرحة فرحتين، فرحة الاستقلال وفرحة الوفاق, ذلك أن التاريخ لا يصنع نفسه وإنما يصنعه قادة عظام يخلّدون أسماءهم في صفحات بيضاء تتذكرها الأجيال عبر الزمن, ونحن في اليمن إذ نحتفل اليوم بذكرى الاستقلال لا بد أن نذكر فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان له الدور التاريخي والفعل السياسي المشرف والمسؤول في التعاطي مع الأزمة السياسية وتحقيق الوفاق الوطني من خلال الحكمة والصبر الجميل طوال أشهر الأزمة السياسية الراهنة وصولاً إلى تحقيق الوفاق الوطني بالتوقيع على الآلية المزمّنة لتنفيذ المبادرة الخليجية التي تجنب اليمن الانزلاق في الحرب الأهلية والدخول في الفوضى الخلاقة التي كانت تخطط لها قوى في الداخل والخارج, وبهذا يكون فخامة الرئيس قد فوّت الفرصة على من كان ينوي لليمن الخراب والدمار بإصراره على فرض الآلية المزمّنة ورفضه توقيع المبادرة الخليجية من دون التوقيع على آليتها التنفيذية المزمّنة التي تضمن لليمن وحدته وأمنه واستقراره وبهذا سيسجل التاريخ أن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح هو الزعيم الذي أوصل بلاده إلى بر الأمان. إن ذكرى الاستقلال التي نحتفل بها اليوم تعد فرصة للقوى التي تحاول العبث بأمن واستقرار البلاد, ذلك أن المناسبات الوطنية تعد ذكرى وموعظة لمن أراد أن يتعظ ويصلح نيته ويعمل من أجل الوطن, مثلما تحدث فخامة الرئيس في الرياض أثناء مراسيم التوقيع على المبادرة الخليجية قائلاً: إن العبرة ليس في التوقيع وإنما العبرة في التنفيذ, فالرئيس قد وقّع المبادرة الخليجية وحقق مطالب اللقاء المشترك التي من المفترض أن تكف عن أعمال العنف والفوضى وفقاً للاتفاق والتوقيع الذي جرى بحضور عربي ودولي واسع, لكن يبدو أن تلك الأحزاب والقوى قد أدمنت على العنف وسفك الدماء لدرجة أنها لم تعد تعبأ بالاتفاقات والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي وإلا كيف نفسّر ما يجري الآن من اعتداءات على المعسكرات في نهم وأرحب وما يجري من تصعيد في تعز وغيرها من المناطق الأخرى, ومع كل ذلك فإننا نأمل من أحزاب اللقاء المشترك والقوى المتحالفة معها الجنوح للسلم والالتزام بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المدعومة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2014). (*) باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني [email protected]