خلال الأعوام الماضية من عمر الديمقراطية الساحرة افتقدنا الكثير من المفردات الجميلة، وبالأخص من بداية هذا العام 2011م. فلم نعد نقرأ غير مفردات الشر والشتائم تملأ صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية ولم نعد نسمع سوى الكلام الجارح من الألسن وأحاديث الحرب والموت والبذاءات عبر القنوات ومكبرات الصوت التي تنطلق من مصادرها في الساحات والشوارع ولم تسلم منابر المساجد من هكذا أصوات وكلمات. لنفتش معاً في كل مكان عن حلو الكلام وصدقه وعن مفردات لا يتجاوز أصحابها حدود اللياقة في الحوار والحديث عن الآخر، وحينها سنكتشف أن قواميس لغتنا اليومية خالية من كل ذلك إلا النادر القليل، وقد صار غريباً لا يمكنه مقاومة كل ذلك السيل الجارف من المفردات والكلمات المضادة والمتمردة في كثير من الأحيان على القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية. عناوين الحرب والقتل والخراب تتصدر الصفحات والمواقع الإخبارية وأخبار الدماء والدمار تحتل كامل مساحات نشرات الأخبار المحلية والعربية تحديداً، وفي ظل هذا الوضع يصبح الكلام الجميل يدل على سذاجة صاحبه، ويصبح الاستماع لأغنية خارج نطاق الواقع ولم يعد أكثر الناس لديهم قابلية للإصغاء للأغنيات وأشعار الغزل والفرح والسعادة. هذا الحال ليس مستغرباً في ظل واقع مشحون بالآلام والأوجاع والهموم وبأحاديث مقروءة ومسموعة تحمل في طياتها كل معاني الشر والخوف والبذاءات ما جار منها وما خف. من الطبيعي أن يحدث الانكسار النفسي ويرتفع مؤشر القلق والخوف لدى الناس وقد وجدوا أنفسهم محاصرين بطوفان من أسباب الهموم والمعاناة والسوقيات التي وصلت إلى حد البشاعة، ومع مرور الأيام لا شيء يكسر هذا الطوق المرعب عن أعينهم وهي تقرأ أو تشاهد وعن مسامعهم وهي تسمع عن مذبحة القيم والكلمات الجميلة. أعتقد بأن علماء النفس لهم رأي في هذا السياق ويمكنهم تحليل هذه المشكلة والتنبؤ بالنتائج النفسية والاجتماعية التي سيصل إليها المجتمع بعد كل هذه المدة الزمنية التي عاشها في قبضة أخبار الموت والحرب والصراعات والخراب والدمار والخلافات وأخبار الأزمة وعلاقتها بالحياة اليومية التي صارت مأساة عند الكثيرين، اختفت الابتسامة الصادقة وتلاشت وذهبت معها تلك الابتسامات التي تنطلق من باب المجاملة بين الناس، حيث لم يعد بإمكان الواحد منهم أن يؤدي هذا الدور ليبتسم ولو نصف ابتسامة في اليوم الواحد. أعتقد أن هناك من يحاول تحدي هذا الوضع ولكن سرعان ما تنهزم محاولته أمام الواقع المثقل بأسباب الألم ومسببات البكاء، ولقد ساهمت الأقلام تحت دافع السياسة في صناعة هذا البؤس العظيم من خلال كتابات هي في الأساس لهذا الغرض جاءت. الإعلام بمختلف وسائله وأدواته صنع لنا بيئة مثقلة بالعداوات والأحقاد والخوف والهموم عندما أسقط من قواميسه ومن ثقافة الكثير من العاملين في هذا المجال كل مفردات السلم والأمن والتسامح والمحبة والأمل، وركض بدوافع شخصية وسياسية لصناعة هذه الغابة البشرية. أصبحت الحياة على صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية وعلى شاشات التلفزة مظلمة للغاية ولن تجد غير هذه الصورة حتى في أحسن الأحوال وفي ظروف التقارب التي تبدو أحياناً هناك معارك تجري على تلك الصفحات والشاشات وتستخدم فيها كل مفردات الشؤم والشتائم وأساليب التخويف وشحن النفوس بالأحقاد والعداوات والتي قد تُفرّغ في غير مجالاتها وهو ما يعني أن المجتمع سوف يدفع الثمن ولو بعد حين.