قبل أن تبدأ الكتابة يجب أن يسبقها حضور اًالأدب الخاص بها،وهذا الأدب يقضي بأن لايستخدم الكاتب أو صاحب القلم مفردات من قواميس لا أدب لها، ولا الأدب يعترف بها سوى أنها تعبر عن ثقافة لا صلة لها بالأدب ولايمكن أن تجتمع به على لسان أو ورق. الأدب يقضي أيضاً بأن للناس مقامات يجب أن تُحترم وتراعى في كل الأحوال وإن سمحت الديمقراطية بالاختلاف معهم،وأجازت معارضتهم في الرأي والأسلوب وطريقة العمل، لكنها لم تسمح ولم تجز التطاول عليهم وشتمهم لدواعٍ اخلاقية أولاً ثم احتراماً لمكانتهم الدستورية التي تفرض الحديث والكتابة عنهم بشكل لائق وإن كان المتحدث أو الكاتب غير ذلك. عندما يفقد الحديث أدبه وتفقد الكتابة أدبها يتحول مسارهما إلى سياق آخر لايليق بجملة الأقلام وأصحاب الرأي ودعاة الفكر والثقافة وأحسب أن المفردات التي يستخدمها الكاتب في كتابته أو المتحدث في حديثه تكشف حقيقته وعلاقته بالقيم والاخلاق وتحدد المكان الذي يناسبه وهو قطعاً ليس المكان الذي يسمح له بالكتابة وتسويق ثقافته على صفحات الصحف والمجلات والمواقع الاخبارية والثقافية وعليه أن يبحث بنفسه عن سوق يلائم مالديه من سوقيات وبضاعة لن يربح منها سوى الوهم. .آخر ما قرأته مقالاً ليس بمقال في الصفحة الأخيرة من صحيفة يرتادها كثيراً هذا النوع السيء من كُتاب السوقيات.. في نهاية ذلك المكتوب فقرة لا علاقة لها بأدب الكتابة وقد نُكب صاحبها في فكره وثقافته وفي رأيه فظن وهو الظن الآثم أنه يكتب رأياً وأنه حاضر الفكر في ماكتب وأنه صاحب كلمة حق وربما ذهب أبعد من ذلك حين كتب ماكتب، في حين أنه كشف عن حقيقة نفسه التي تفيض بالحقد والكراهية لكل شيء وهو مالم يستطع إخفاءه في الجمل القليلة في مؤخرة ماكتب ليؤكد غياب أدب الكتابة وأدب الحوار وأدب المعارضة وأدب التقييم وأدب الحديث عن الكبار وأصحاب المكانات الرفيعة الذين لايحتاجون لمعسول كلامه ولايضرهم إن تمادى هو وأمثاله وقالوا بأن المنجزات نكبة،وقلبوا الحقائق،وبدت لهم كل الأوضاع سيئة وهكذا يقول القائل أو يكتب الكاتب حين تسوء ثقافته ونظرته ولو كانت الأدلة من حوله تشع ضياءً «فالذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً» كما قال إيلياء أبو ماضي في وصف من هم على هذه الطريقة في النظر والتعاطي مع ما حولهم. لايمكن لمن أظلمت نفسه ونظرته للحياة أن يرى شيئاً مشرقاً.. ولايمكن لمن كان قاموسه قبحاً أن يكتب حُسناً أو جمالاً، ولايمكن لحاقد أن يعدل ولو بجملة على صدر صحيفة. ثلاثة عقود من العطاء والعمل الدؤوب لايمكن أن تنال منها مقالة تخزينة عابرة كتبها صاحبها حين لم يجد مايملأ به فراغ عموده الفارغ إلا من مفردات الكذب والشتيمة والانتقاص من عطاء الكبار ومنجزاتهم وقد عجز عن قول الحقيقة لأجلها،ومثله يكتب من هم على شاكلته في غياب أدب الكتابة وأدب التعامل مع الناس فلم يحترموا عقول الناس الذين يدركون الفرق بين ماتحقق ومايقولون ويكتبون في محاولة يائسة لنسف الحقائق.