تكمن حكمة التوافقية السياسية القائمة في اليمن في كونها توافقية باتجاه التغيير، ومركزها المواطنة لا الطائفة والقبيلة والعشيرة كما حدث عند بعض العرب الذين توافقوا على قاعدة وأد المواطنة، واستبدال المؤسسة بالقياسات الطائفية والدينية المقيتة، كما حدث في لبنان والعراق. توافقية الحالة اليمنية مُجيّرة على التغيير، والتغيير هنا ليس أمراً إجرائياً يتم بناء على الرغبات والنماذج الذهنية السابقة على الفعل، بل من خلال الإرادة السلمية المقرونة بالدأب والصبر والمُصابرة. ذلك هو المُنجز العظيم للثورة الشبابية اليمنية التي أشعلت فتيل الأمل، ووضعت الجميع أمام استحقاق جوهري لا مفر منه .. ذلك الاستحقاق تمثّل ويتمثّل في الصيغة التوافقية القائمة، والمقرونة بقدر واضح من السفر صوب المستقبل. وهي صيغة تمّتْ أولاً وثانياً وثالثاً بإرادة يمنية مؤكدة، حتى وإن أسهم في بلورة ملامحها ورعايتها الإقليمان المجاور والعالمي، من خلال المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. قد يعتقد البعض أنني متفائل أكثر من اللازم، وقد يتأسّى آخرون بما جُبلنا عليه على مدى عقود من متاهات التنافي العدمي، والانغماس في الواحدية المسترخية عند قبور ظلاماتها، لكن تلك المرحلة قد انجلتْ، برغم الضباب الكثيف والمرئيات غير الواضحة. اليوم تنتصب أمامنا حقيقة موضوعية غير منكورة، تتمثل في حكومة وفاق وطني، ومجلس عسكري توافقي، وروافد داخلية ترعى هذا الحل، وتُسارع في التغيير الايجابي المقرون بإرادة نافلة عند الجميع، فالمعاناة لم تستثن أحداً، والحيرة الوجودية وحّدت الأفئدة والقلوب، والتضحيات الجسام التي قدمت على مذبح الحرية لم تذهب هدراً. ليس أمامنا الآن إلا أن نستغْور المشهد، ونرى الضياء القادم من أعماق العتمة واليأس، ونتماسك بحثاً عن مخارج وحلول سلمية تضعنا في المكانة التي نستحقها، بعد أن أثبتنا للقاصي والداني إننا أبعد ما نكون عن تلك الصورة النمطية الظالمة التي ظلت تلاحقنا زوراً وبهتاناً على مدى عقود طوال من الاخفاقات والأخطاء والخطايا. الإبقاء على تماسك الدولة، وشرْعنة الشرعية المتجددة، سبيلنا الوحيد للذهاب إلى الحلم الألفي الفاضل الذي كان ومازال هاجساً، واستحقاقاً، ومنطق عمل وحياة. [email protected]