شهور وأيام وأسابيع ولحظات عصيبة مررنا بها جميعاً تكاد تصل إلى عام، تجرعنا خلالها المرّ والعلقم والويلات، وذقنا فيها المذلة والمهانة والخوف والذعر والرعب، وشربنا الموت فيها سكرات بعد سكرات.. ولكن بفضل وحكمة وعقلانية أبناء اليمن الشرفاء الذين استطاعوا أن يخرجوا بالبلاد من هذه المحنة إلى بر الأمان، ولكن ليس هذا ما أريد الحديث عنه وإنما أردت أن أبين أن ما سأتحدث عنه له علاقة بالأحداث التي شهدتها بلادنا مؤخراً، فخلال هذه الفترة العصيبة مررنا بكثير من الأحداث والمناسبات، وفقد الوطن الكثير من أبنائه بسبب هذه الأزمة سواءً كانوا مدنيين أو عسكريين.. فعزائي لكل أسرة فقدت عزيزاً وغالياً وأسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة لهم وأن ينزلهم منزلة الشهداء وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان ويملأ قلوبهم بالإيمان والرضا بقضائه وقدره. ولكن هناك أناس فقدناهم من الأقارب والأحباب والأصدقاء والزملاء، فمن بين هؤلاء زملاء أعزاء على قلوبنا فاضت أرواحهم إلى بارئها ومنهم من استشهد بسبب هذه الأزمة وترك عالمنا الدنيوي وغادرنا إلى عالمه البرزخي، لذلك فقدنا العديد من الزملاء الإعلاميين سواءً كانوا من المذيعين والمصورين أو العاملين في أقسام ومجالات مختلفة، فرحمة الله عليهم جميعاً وأسكنهم فسيح جناته إنه غفور رحيم.. ولكن هناك أناس يستحقون أن نذكرهم ونتحدث عنهم ومعروفون لدى الجميع بطبيعتهم ودماثة أخلاقهم، والكل شهد لهم بذلك لذا لابد أن نتحدث عنهم ولو بسطور بسيطة ومختصرة لأن المجال هنا لا يتسع لذكر صفاتهم ومناقبهم الحميدة التي عرفوا بها طيلة فترة حياتهم، لذلك وجب علينا أن نذكرهم وأن يعرف البعض أن هناك أناساً مجهولون لم يبرزوا ولم يظهروا، ولا يعرف الكثير من الناس عنهم إلا القليل. فكثير من الإعلاميين والأدباء والكتاب والشعراء والفنانين والمبرزين في بعض المجالات والباحثين والمواهب والمفكرين والأكاديميين والمخترعين لم ينالوا حقهم في إظهار إبداعاتهم ومواهبهم ولم يفِ الإعلان بحقهم في إبرازهم وإعطائهم حقهم كما ينبغي. لذلك أريد أن أتحدث من خلال هذه الأسطر القليلة عن الزميلين العزيزين المغفور لهما بإذن الله تعالى وهما الزميل عبدالواحد الخميسي والزميل عبدالحكيم عبدالنور، فالزميل عبدالواحد الخميسي كان يتمتع باخلاق عالية ورفيعة وسماحة قلب وطيبة ورحابة صدر ونفس كريمة وروح مرحة تحب الفكاهة والدعابة والابتسامة.. والزميل عبدالواحد الخميسي عرفته منذ سنين والتقيت به مؤخراً في القناة الثانية تلفزيون عدن أثناء تقديمي طلباً بخصوص إعداد برنامج خاص عن شقيقي الموسيقي والباحث والكاتب الصحفي أحمد درعان، فرحب بي في مكتبه لأنه كان يشغل مدير القطاع البرامجي، ثم التقيت به بعد أيام وكان هذا هو آخر لقاء بينما كان واقفاً أمام سيارته وتحدثت معه حول بعض الأمور التي تخصني وتبادلنا الأحاديث ثم انصرفت فناداني وأدخل يده إلى سيارته ليخرج منها بعض العصائر والماء فقلت له شكراً لقد تناولت فطوري فأصر أن آخذ هذه العصائر معي.. هذا كان آخر حديث مع الزميل عبدالواحد الخميسي رحمة الله عليه. أما بالنسية للزميل عبدالحكيم عبدالنور فهو شخصية مختلفة ومميزة وله صفات وأوصاف تجعله محبوباً ومقبولاً لدى الجميع منذ الوهلة الأولى، عندما يتحدث إلى شخص ما وكأن الشخص الذي يتحدث معه يعرفه من سنوات لتواضعه وطيبة قلبه وابتسامته الجميلة وبشاشة وجهه، علاوة على أنه يتمتع بأخلاق عالية وطلاقة وجه وسماحة ورقة قلب ورحابة صدر كبير متسامح لا يعرف الحقد والحسد، ويتميز الزميل عبدالحكيم عبدالنور بإحساس مرهف ومشاعر فياضة وقلب حنون ويحب عمله ومخلص ومتفانٍ، وإذا كلف بعمل ينهمك فيه ولا يرتاح ولا يهدأ حتى ينجز ما كلف به، هذا ما لمسته فيه عندما عملت معه في إعلان تجاري لشركة ماس فكان هو المسئول عن هذا العمل هو والأستاذ المخرج فلاح الجبوري فسبحان الله تم إنجاز هذا العمل خلال يومين تقريباً وعلى أكمل وجه وأحسن ما يكون ليس لأنني عملت معهم ولكن بصراحة هذه شهادة تقال لأنه فعلاً كان العمل رائعاً. الزميل عبدالحكيم عبدالنور لم أعرف بخبر وفاته إلا مؤخراً عندما كنت أقرأ إحدى الصحف وعندما كنت أتصفح الجريدة شاهدت عنواناً بارزاً بخط عريض يتحدث عن استشهاد الزميل عبدالحكيم عبدالنور وعن كيفية وفاته ولم يبين تاريخ استشهاده في المقالة.. فعندما قرأت الخبر وتأكدت من الصورة الموجودة في المقال عرفت أنه عبدالحكيم، تألمت كثيراً وحزنت وبكيت بألم وحرقة ولم أكن مصدقة وكنت أعيد القراءة وتمعنت في الصورة ولكني سألت أسرتي وتأكدت أنه هو قائلين لي إنه صاحب الكاميرا الخفية وصاحب أغنية للأطفال غناها في التلفاز بمناسبة العيد في السابق بعد أن تأكدت وعرفت أنه عبدالحكيم شعرت بعاطفة تمزقني تجاه أولاده وزوجته وبرغبة شديدة وملحة لزيارة أسرته، ولكنني للأسف الشديد كنت في عدن هروباً من الأوضاع السيئة التي عشناها جميعاً. رحم الله عبدالحكيم عبدالنور الإعلامي والمصور والمخرج والمبدع صاحب القلب الطيب والروح المرحة والابتسامة الجميلة التي لا تفارق محياه، فرحمة الله عليك أيها الزميل العزيز الطيب الكريم.. أسأل المولى عزّ وجل أن يسكنك فسيح جناته إنه هو السميع العليم والقادر على كل شيء ورحم الله كل الشهداء وكل الذين فارقوا الحياة متأثرين بهذه الأزمة.