هذه الكلمات التي عنونت بها هذه المادة «إذا لم تكن معي.. فأنت ضدي» سمعناها كثيراً وما زلنا منذ بدء الأزمة اليمنية التي لا يريد لها البعض أن تنتهي..، وهي تعني في الأول والأخير مصادرة للرأي الآخر وعدم الاعتراف بحق الاختلاف كسنّة من سنن الله في هذا الكون.. هذه الكلمات التي لا تعترف بحقك في إبداء الرأي واحترام هذا الحق دفعت بالملايين من أبناء هذا الشعب إلى التزام الصمت هروباً من حدوث ما لا يحمد عقباه، أو قد يكون خوفاً من الآخر الذي لا يعترف بمن يخالفه الرأي ويدفعه ذلك إلى ارتكاب الحماقات والتي قد تصل إلى القتل.. لا أبرر هنا لأولئك الذين فضلوا مشاهدة ومتابعة ما يحدث والتزموا الصمت ..، فهم في الأول والأخير أحرار في كل أفعالهم وأقوالهم..، ولكن هدفي من هذه التناولة هو تبيان الضيق الذي تلبّس البعض ودفعهم لإطلاق هذه العبارة وإشهارها عبر الفضائيات أو الكتابات الصحفية أو من خلال الأحاديث الجانبية التي تدور في الشارع أو في المقايل بين اثنين من الناس أو جماعة منهم.. حتى أن رفض كلمة «ثورة» أو استبدالها من قبل البعض بكلمة «أزمة» أو «انقلاب» أو ما شابه ذلك كانت تثير لدى الآخر غضباً شديداً يدفعه إلى القول «أنت ضدي» وهذا القول يؤدي بالتالي إلى إطلاق عبارات التهديد والوعيد والتلويح بالويل والثبور وعظائم الأمور.. وليس عنا بخافٍ أو ببعيد تلك التهديدات التي سمعناها من دعاة وشيوخ وعلماء دين عبر الفضائيات.. كثير من الناس ما زالوا إلى اليوم يخشون الكشف عن مواقفهم مما يحدث خشية أن يقابلهم أحد المتطرفين أو المتعصبين لآرائهم من أي طرف كان.. وما أكثرهم في الساحة، ومن ثم تكون النتائج وخيمة. هذه المقولة أو الكلمات التي مازلنا نسمعها من البعض تعكس جهلاً بالدين أولاً، وعدم اعتراف بحق الرأي الآخر أو حق الاختلاف ثانياً، كما تكشف عن رفض مطلق للتعايش مع الآخر المخالف أياً كانت توجهاته وآراؤه.. هذه الكلمات التي أصبحت متداولة وبكثرة اليوم تعني بالمطلق عدم الإيمان بالآخر، وأن من يطلقها يؤكد أن ما يقوله هو الحق المطلق الذي لا يمكن إخضاعه للنقاش والحوار ولا يمكن القبول بغيره أكان صائباً أو خاطئاً.. قد نختلف وقد نتفق وفي كلا الحالتين ليس بالضرورة إن لم تكن معي فأنت ضدي.. فالخطاب الديني والقرآني على وجه التحديد دعا ويدعو إلى احترام الآخر ومناقشته والدخول معه في جدال بالتي هي أحسن، بعيداً عن العصبية والتطرف وبعيداً عن إثارة الأحقاد والكراهية وإطلاق عبارات التهديد والوعيد.. وقد قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام «ليس منا من دعا إلى عصبية».. إذا لم تكن معي فأنت ضدي.. كلمات تكشف عن ديكتاتورية صاحبها أو من يطلقها وعن الأنا المفرطة التي تسكنه، كما تكشف عن عصبية مقيتة، وكفر بالآيات القرآنية التي أكد فيها سبحانه وتعالى أن الاختلاف هو مبدأ الحياة وسمتها البارزة، وفي هذا الشأن قال تعالى :{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} وقوله تعالى:{ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك}.. وغيرها من الآيات الكريمة التي تصب في هذا الاتجاه.. وهذا تأكيد على أن الاختلاف سنة إلهية.. وهذا الاختلاف يعكس عظمة الله سبحانه وتعالى في صنع هذا الكون المختلف والمليء بالآيات..، وينبغي علينا أن نجعل هذه الحقيقة منطلقاً لأفعالنا وأقوالنا دون إشهار عبارة «إذا لم تكن معي فأنت ضدي».. كما أن هناك تأكيداً على «إذا لم تكن معي فأنت ضدي» من ذهب يدعو إلى الإلغاء والاجتثاث والإقصاء.. وهذا يؤكد عدم الوعي بالإنسان والإيمان بتعدد وجهات النظر..، وعدم الإيمان أيضاً بأن للحقيقة أوجهاً عدة وكل إنسان يراها كما يشاء، وبالتالي ليس بالضرورة إذا لم تكن معي فأنت ضدي.. [email protected]