أعرف أن المبادرة الخليجية يرفضها الكثيرون من شباب الثورة السلمية جملةً وتفصيلاً، لما فيها من ظلم وحيف تجاه شباب الثورة وما قدموه من تضحيات جسيمة؛ فهناك المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمصابين إضافة إلى أمثالهم من المتضررين في أعمالهم ووظائفهم وكذلك مساكنهم، ومما سبق ذكره يمكن أن تضاف عدة اعتبارات أخرى كانت كفيلة بأن يتصلب الشباب عند مواقفهم الرافض للمبادرة؛ وهو أن هذه المبادرة التي طرحت قبل أشهر تم تعديلها وتغيير الكثير من بنودها أكثر من مرة حسب طلب ورغبة الرئيس وأعضاء حزبه الحاكم، وليس هذا فحسب؛ بل ظل الرئيس يماطل ويراوغ في كل مناسبة تستدعي منه الحضور الإعلامي على شاشات التلفزة وذلك لكسب الوقت وترتيب الأوراق وأيضاً لخلق حالة ٍمن التململ عند الشباب المعتصمين في الساحات، وكذلك لأن بعض المناوشات العسكرية كانت قد حصلت في مناطق متفرقة من البلاد بل حتى في العاصمة صنعاء؛ فقد سعى الحاكم بهذا كله إلى جر البلاد إلى أتون حرب أهلية؛ أو أنه كان يظن أن الخيار العسكري في متناول يده وهو الكفيل بإنهاء هذه الثورة. غير أن المتأمل للمبادرة الخليجية من زاوية أخرى ورؤية مختلفة يمكن أن يعتبرها المخرج السياسي الوحيد وطوق النجاة الأنسب لمسار الثورة، وذلك لعدة اعتبارات هامة خاصةً إذا أخذناها بالحسبان؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن العالم العربي كان لديه من المشاكل والأزمات السياسية والثورية ما يجعله ينشغل بها عما سواها، وهذا يعني أنه (الوطن العربي) لن يعطي الثورة اليمنية الاهتمام المطلوب والأمل المرجو عند شباب الثورة، ولذلك ظلت المبادرة الخليجية - رغم ما فيها من اختلالات واضحة وعورات فاضحة – هي أقصر الطرق وأهدى السبل لإنهاء هذه الأزمة الثورية، بل إن الكثير من الهيئات والمنظمات العربية وحتى الجامعة العربية نفسها لم تقدم رؤية أخرى أو حلاً سياسياً آخر للخروج بالثورة اليمنية إلى بر الأمان وكذلك الأممالمتحدة، فجميعهم اعتمد على أن المبادرة الخليجية هي حل وسط يرضي كل اليمنيين سواء ٌ كانوا في المعارضة أم في الحكم أو حتى الذين هم في الساحات والشوارع. ولهذا كله أود التأكيد على أن المبادرة الخليجية كانت بحق حلاً سياسياً مقنعاً إلى حدٍ ما، خاصةً إذا نظرنا إلى بعض النتائج التي برزت بعد التوقيع بأيامٍ معدودة ومن ذلك مثلاً: • لأول مرة منذ توليه الحكم رئيس الجمهورية يكون خلف الشاشة ينظر مثل بقية اليمنيين إلى نائبه – الذي صار رئيساً بالإنابة – وبجواره محمد سالم باسندوه، رئيس حكومة الوفاق الوطني أثناء تأدية اليمين الدستورية؛ كان هذا المشهد كفيلا ً بإنهاء حقبة صالح ولو إعلامياً فقط. • صدور قرار وزير الإعلام بمنع الأستاذ عبده الجندي من التحدث باسم حكومة الوفاق؛ فقد كان لهذا القرار أصداء واسعة على كافة شرائح المجتمع خاصةً لما عُرف عن عبده الجندي من خلطه الغث بالسمين في تصريحاته ولجمعه بين الجد والهزل في حواراته ونقاشاته. •تشكيل اللجنة العسكرية – رغم تأخر هذا التشكيل عدة أيام – كان له أثر طيب نوعاً ما إذا نظرنا إلى ما كانت عليه الحال في الكثير من بؤر التوتر خاصة في تعز التي عاشت أياماً وليالي ليس لها مثيل منذ قيام الجمهورية واندلاع الثورة. • ومن أبرز النتائج التي أسفرت عنها المبادرة والذي على شباب الثورة أن يستفيدوا منها ويستوعبوها؛ هو أن هذه المبادرة كانت أشبه بحجرٍ ألقي ّعلى بركة ماء راكد فنتج عن ذلك دوائر تتسع شيئاًً فشيئاً باتساع البركة؛ وأقصد بذلك أن المبادرة كانت هي الحجر التي حركت المياه الراكدة؛ ووسعت دائرة الاحتجاجات وكسرت حاجز الخوف عند الأغلبية العظمى من اليمنيين؛ وخير شاهد ٍعلى ذلك سقوط العديد من أركان النظام بفعل الاحتجاجات المتصاعدة والمستمرة في العديد من المؤسسات الحكومية الهامة كما حصل مع مدير عام شركة طيران اليمنية العقيد الكابتن عبدالخالق القاضي الذي قدم استقالته بسبب الإضراب الذي نفده العاملون في الشركة وكذلك مطار صنعاء؛ وأيضاً استقالة حيدر الشيخ عميد كلية الطيران بنفس السبب الأول، وتطول القائمة لمثل هكذا حدث وهكذا نتيجة، ويبدو أن سيل الاحتجاجات وما نتج عنها لن يتوقف حتى في أصغر مؤسسات الدولة، إلى أن تنتهي كافة مظاهر الفساد ورموزه كائناً من كان. • ازدياد الضغوط الدولية المطالبة بإقالة القادة العسكريين في تعز، وهذا أحد أهم المؤشرات التي تدعو إلى التفاؤل خاصة لأبناء تعز الثورة والشهداء. [email protected]