حفلات الأعراس باهظة التكاليف كاسرة الظهر ويمكن استبدالها بكلفة أقل وفائدة أكبر إن لم نقل أعظم، وأجمل الهدايا الكتاب. وتقولون: وما قصة ذلك؟ والجواب هو من قصة زواجي الشخصية، فقد عكفت زوجتي وأخوها على كتاب بعنوان (حين يكون الإنسان كلا وحين يكون عدلا)، والعنوان مستقى من آية قرآنية “وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لايقدر على شيء وهو كلٌ على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم”. وهكذا كان هدية العرس للمدعوين نسخة من هذا الكتاب, فكان أجمل هدية. أما الناس فقد اعتادوا على إرهاق أنفسهم بوافر الطعام حتى التخمة، ثم ينصرف الناس وقد تأذت صحتهم، في حين ومع الكتاب يرجعون بوافر العلم وراحة المعدة، وهي دوماً أفضل، فليس مثل المعدة بيتا للداء، وليس مثل راحة الجهاز الهضمي بابا للشفاء. وحتى لايفهمني القارىء خطأً فأكمل أنه لابأس من إتحاف الحضور بطعام خفيف عملي، وطيف من الحلويات والمشروبات بكلفة بسيطة. وهو مافعلته أنا في عرسي، فلم أتكلف ولم ينكسر ظهري وما زال كتاب “الإنسان حين يكون كلا وحين يكون عدلا” في خزانة الفكر ذخرا للعقول وتنشيطا للذهن في مسائل كثيرة. وأحيانا أقول ماهي أفضل الكتب المهداة؟ فيأتي في ذهني عشرات الكتب، وأنا شخصيا أفضل دوما أن أحمل العديد من نسخ كتبي التي تجاوزت ثلاثين كتابا في السوق الفكرية؛ فإن ارتحت للشخص في أول مقابلة أهديته جميل الكتب، بل حتى اقتطاع أجزاء من مجلد وتصويره على نحو خاص، كما حصل معي في القسم الوارد في موسوعة عالم الاجتماع العراقي الوردي حين تحدث عن نشأة المملكة في مطلع القرن العشرين وظروف قيامها وذلك في لغة سهلة وتوثيق جيد وتعليقات وتحليلات مفيدة وحيادية يحسد عليها، ومعلومات غنية تقربنا لساحة الحدث، وهي مشكلة من يكتب في مواضيع حساسة فيقع بين لغتي الزلفى والمجاملة أو التحيز؛ فيخسر الموضوع بعدا هاما، والوردي أبدع في ذلك، بل إنني أنصح بطباعة هذا القسم من كتاب يضيء التاريخ عن الظروف الأولية لنشأة المملكة وشخصية قائدها. وفي هذا الصدد سمعت عن الوليد بن طلال أنه يهدي كتاب روبرت غرين المعنوان ب (كيف تمسك بزمام القوة) الذي طبعته العبيكان، وهو ليس دعاية لا للشخص ولا للمكتبة، بل تبيان لمفهوم الكتب الجيدة التي تهدى. وأذكر من صديقي الذي كان يعمل معي في قسم جراحة الأوعية أنه رجع يوما من إجازته من مصر وهو يعرف غرامي بالكتب ومطاردتها؛ فقدم لي كتابا على نية (رفع العتب) فعرفت أنه لم يهتم كثيرا بقدر المجاملة، فقلبت الكتاب وقبلته ولم أقبّله، كعادتي في ذخائر الفكر. ولم أر أنه يستحق المطالعة أكثر من خمس دقائق. وقبل أيام جاءني كتاب مرسل بالبريد السريع بكلفة باهظة فتصفحته فما شدني كثيراً؛ فأنا حائر كيف أرد على المؤلف. وبالمقابل فقد زارني الأخ والمفكر ماجد عرسان الكيلاني في جبال عسير فأحضر لي نسخة كاملة بسبع مجلدات عن تاريخ المغرب والأندلس الذي اشتغل عليه عبدالله عنان 25 سنة من عمره مع عشر زيارات لإسبانيا والشمال الأفريقي؛ فقرأته باهتمام ومتعة في ستة أشهر حافلات بالمشاعر وهو من أجمل كتب مكتبتي العامرة. وهذا يقول لنا ثلاث قواعد عن إهداء الكتب أن تكون مفيدة، فالكتاب يبقى، والعطر يتبخر، والطعام يؤكل، والورود تذبل، والعلم لايعرف الذبول. والثاني أن تبقى أثرا من المهدي يتذكره من أهدي إليه إلى آخر الدهر. والثالث أن يقتني من ينابيع المعرفة حسب الشخص واهتماماته الثقافية من سياسة وأدب وفلسفة وتاريخ وعلم فلك، وعلم تاريخ الإنسان وفلسفة العلوم والاقتصاد والعلوم الذرية والتسلح والاقتصاد والمرأة والروايات والسير الذاتية. وحاليا ذكرنا كتاب روبرت غرين والعنان وأضيف ثلاثة: مقدمة ابن خلدون وتجديد التفكير الديني لمحمد إقبال والمقال على المنهج لرينيه ديكارت.