حينما يلتبس عليك أمر ما تلجأ إلى القراءة عنه، ونحن في اليمن هذه الأيام في أمس الحاجة إلى القراءة الجادة حول واقعنا المحير، لكن وسائل إعلامنا لا تتيح لنا القراءة الموضوعية للأحداث، وليس لدينا الإمكانية للحصول على مطبوعات علمية محايدة نعرف من خلالها تفسيراً لما يحدث في الساحات اليمنية، فحتى لو فكر أحدنا في زيارة مكتبة في جامعة أو مؤسسة ثقافية فلن يصل إلى الكتاب الذي يريده إلا بعد أن يفقد دافعية القراءة، وبخاصة هذه الأيام التي امتلأت كل الأماكن بالعراقيل حتى نسينا معالم مكتباتنا. المكتبات في كوبنهاجن تذهب للمواطن إلى منزله، وخدمة المكتبات من أجل القراءة متاحة للجميع بالمجان، توفرها الدولة كالماء والكهرباء إلى كل بيت بواسطة المكتبات العامة التي تشرف عليها وزارة الثقافة الدنمركية. من المكتبات التي سعدت بزيارتها في كوبنهاجن (المكتبة الملكية) وما أدراك ما المكتبة الملكية في هذه المدينة؟! قيل لنا: إن تاريخ إنشائها يرجع إلى العام 1600م ميلادية تقريباً, محتوياتها تتعدى الستة ملايين كتاب, فيها قسم للمخطوطات النادرة باللغة العربية, يحتوي على ألف مخطوطة عربية من أصول المخطوطات غير النسخ كما أفاد رئيس قسم المخطوطات العربية في هذه المكتبة, اسمه (هاس موسن), وقد فسر اسمه لنا بالعربية بأنه يعني:( رأس موسى), هو أستاذ في اللغات السامية, يجيد التحدث بالعربية الفصحى ولغات أخرى, تعلم العربية ما بين القاهرة والدنمرك, ما لفت نظري في هذا الرجل هو أنه رجل مقعد وكبير في السن لكنه يمارس عمله بروح الشاب القوي المتحمس لمهنته, كان شديد الحرص على المخطوطات العربية, جاء متحمساً لمقابلتنا حاملاً معه أصل مخطوطة يمنية في الفقه الزيدي طلب منا قراءة بعض الكلمات التي استعصت عليه على غلافها, قال: إنه تم شراؤها من هولندا قبل خمس سنوات لمكتبتهم, ومرفق بالمخطوطة وثيقة بخط اليد تثبت أنه تم شراء المخطوطة من الجامع الكبير من قبل رحالة كانوا قد زاروا اليمن عام 1176هجرية, ومكثوا في بيت الفقيه فترة من الوقت, وفي المكتبة خمسة أصول لمخطوطات يمنية أخرى في الفقه والتاريخ كما أفاد, لم نتمكن من رؤيتها لضيق وقت الزيارة حينها, قال: إنه سافر لليمن قبل عشرين عاما ليكتب عن هذه رحلة الخمسة الدنمركيين الذين زاروا اليمن واصطحبوا معهم مجموعة من المخطوطات، فألف عن الرحلة كتاباً, لم نستطع الحصول عليه لعدم توفره لدى مدير المكتبة حينها. يوجد في المكتبة ثمانية آلاف كتاب عربي معظمها من الكتب النادرة كما أفاد... وبقدر خوفي من ضياع تاريخنا أو تحريفه, وبقدر دهشتي من قوة اهتمام غير العرب بتاريخ العرب فقد شعرت بالأمان على تاريخنا إذا كان مصيره أن يكون ضمن محتويات مكتبات ضخمة مثل المكتبة الملكية في كوبنهاجن حتى وإن كان خروجه من اليمن يسبب الحزن للوطنيين والمثقفين, فهو هناك أكثر أماناً من بقائه بيد العابثين تجار التاريخ الجهلاء، على الأقل سيظل محفوظاً هناك حتى يمنّ الله على اليمن بمسئولين يشعرون بقيمة التاريخ الحضاري لليمن بمخطوطاته وآثاره وموروثاته الشعبية, حينها سيكون من المهم أن يكون على رأس خطة العمل الثقافي اليمني إجراء مسح شامل لكل المكتبات والمتاحف والمعارض العالمية لتسجيل ما لديها من كنوز التاريخ اليمني حتى يعرف الباحثون في حضارة اليمن إلى أين يتجهون إذا ما أرادوا الكتابة عن اليمن . ومما لفت انتباهي في الدنمرك رغبة الدنمركيين في تعلم اللغة العربية, لديهم ثلاثة معاهد متخصصة بتعليم اللغة العربية, يتخرج منها كثير من الدنمركيين الذي يعمل كثير منهم في وظائف الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، في زيارتنا هذه تعاملنا مع أربع فتيات دنمركيات درسن العربية وقمن بترجمة فورية للمحاضرات التي تلقيناها من الدنمركية إلى العربية وترجمة أسئلتنا وملاحظاتنا لفريق المحاضرات, وأجمل ما شاهدته هو الحرص على تقويم أداء هؤلاء الفتيات بالرجوع إلينا لمعرفة مستواهن في اللغة العربية, قوم يشعرون بأهمية أهل الاختصاص في التقييم حتى وإن لم يكونوا على معرفة بهم، قوم يهمهم جودة الأداء، وشعارهم إشراك الجميع في تحمل المسئولية واتخاذ القرارات في مؤسساتهم.. للحكاية نهاية في المقال القادم إن شاء الله. (*) أستاذ المناهج المشارك بكلية التربية جامعة صنعاء [email protected]