بما أننا بدأنا مرحلة التغيير في جميع المؤسسات وغيرها، فمن الأفضل أن تكون البداية بالقضاء أولاً، فإذا صلح القضاء صلح كل شيء، فإذا وجدت العدالة الحقيقية والمطلوبة وانتهت المحسوبية فسوف نجد رادعاً لكل من يحاول التلاعب والتعدّي على حقوق الآخرين سواء أكانت الحقوق عامة أم خاصة. وإذا وجد الالتزام والانضباط والنظام في المؤسسات القضائية؛ وجد النظام والانضباط والخوف من العقاب في جميع المؤسسات الحكومية وغيرها. لذلك لابد من إجراء دراسات للإصلاح القضائي وتطبيقها والاحتياجات الخاصة بهذا البلد، فلابد أن تتحقق استقلالية النظام القضائي، وتسريع عملية التعامل مع القضايا، وإصدار الأحكام القضائية، وتعزيز استخدام الوسائل البديلة لفض النزاعات، فلابد أن تقام دورات تدريبية وتكثيف البرامج التأهيلية للمحامين ولكل من يعمل في السلك القضائي. إن مماطلة وعرقلة سير القضايا سواء كان من المنتسبين للسلك القضائي أم من الأفراد المتخاصمين أنفسهم قد يزيد من التكاليف المترتبة على المتنازعين مما يؤدي إلى إحباط الناس وعدم لجوئهم إلى أخذ حقوقهم عن طريق القضاء؛ الأمر الذي يضطر البعض للتنازل عن حقوقهم أو إلى أخذ حقوقهم بطرق ملتوية وغير لائقة، وفي بعض الأحيان يؤدي هذا إلى كوارث اجتماعية واقتصادية لا تحمد عقباها، خاصة أننا نعيش في مجتمع قبلي ملبد بالتخلف والجهل، وهذا في الأخير يسير عكس مصلحة بلدنا الحبيب الذي نريد له الأمن والتقدم. لابد من التغيير والنظر في هذه المعضلة التي تشجع الكثيرين من الاستغلاليين للسطو على حقوق الآخرين بكل بجاحة؛ بل إنه يتحدّاك وهو يرمقك بنظرة استفزازية وكلها ثقة وسخرية ويقول لك: “روح اشتكي” وأنت في نفس الوقت لا حول لك ولا قوة!!.. من الضروري وضع عدد كبير من الإرشادات للقضاة تساعدهم على سرعة إصدار الأحكام في أقل وقت، بل إن من المهم مكافأة القضاة الذين يتعاملون مع قضايا الناس بضمير وفاعلية دون إهدار الوقت، وكذلك في عناصر الإدارة الفاعلة للقضايا، وأهمية وضع وتحديد أدلة توجيهية للقاضي تجنبه أي تعطيلات في عقد الجلسات وإقامة الدعوى لأسباب متعلقة بالمحامين والمتخاصمين. إن من أهم الأسباب التي تعطّل سير الإجراءات القضائية هي ضعف الرقابة وخاصة على دوام القضاة وتأخرهم في الحضور وتعجلهم في الانصراف؛ ليس ذلك فقط بل عدم حضورهم لأسابيع إن لم تكن أكثر، مما يفضي إلى زيادة المعاناة وتراكم القضايا وتأخير البت فيها. وللأسف عدم تفعيل دور التفتيش القضائي بالإضافة إلى ضعف الإشراف المباشر من رئيس المحكمة، صحيح أنه لا يوجد سلطان على القضاء، ولكن المفروض أن يكونوا قدوة لغيرهم ومثلاً يحتذى بهم، “فالنقص ينبع من النفس ولو كثر العدد”. أسأل الله الصلاح للجميع، كما قال الشاعر: العدل من أسمى القيم يسمو بنا إلى القمم فهو أساس ملكنا يرفعنا فوق الأمم