يقول الرجل: نعم أنا من زملاء الشهيد البطل عبدالرقيب عبدالوهاب, وكنت قريباً منه, فقد التحقنا الاثنان في فرقة مظلات بعد تخرجي من الكلية الحربية عام 66م , وكان الشهيد عبدالرقيب حينها قد عاد من مصر بعد أن أكمل دورة صاعقة في (انشاص), ليعين قائداً للصاعقة, وعبدالرقيب تخرج من الكلية الحربية عام 63, كان عبدالرقيب –يقول شعنون – يتمتع بخصال العسكري الميداني المحترف, كان بسيطاً متواضعاً صلباً, نصحني أن أرشح لدورة في الصاعقة, فتم ابتعاثي إلى مصر, كانت دورة الصاعقة من أشد الدورات مشقة, كان معي كل من الملازم علي سعيد الصغير, والملازم محمد قايد عاطف, والشهيد الملازم حسين الجريزع, الذي استشهد في مصر حين شارك في حرب 67م , تخرجنا من الدورة, لم استمر في المظلات, طلبت إلى الحرس الجمهوري, لثلاثة أشهر لأكون مدرباً لوحدة جديدة سميت اللواء العاشر, في السبعين تمركزت واللواء العاشر في جبل عصر, تحركت من هناك بناء على أوامر رئيس الأركان عبدالرقيب إلى جبل عيبان, من ذكرياتي في عيبان فقد سيطرنا على أحد المواقع وحصلنا على جهاز وأوراق ووثائق لمرتزق بلجيكي في حقيبة قماشية سلمتها إلى عبدالرقيب أثناء واحدة من زياراته برفقة العميد منصور عبدالجليل عبدالرب, لقد كان للمظلات والصاعقة دور عظيم في تثبيت دعائم الثورة والجمهورية إلى جانب بقية وحدات الجيش والمقاومة الشعبية. لايزال في الذاكرة موقف لا يمكن أن أنساه أبداً، فقد فوجئت في الموقع الذي كنا نرابط فيه برجل ضخم الجثة كبير السن وصل بصعوبة إلى مواقعنا المتقدمة, سألته عن ماذا يريد, كانت أنفاسه تكاد تتقطع وحين طلبت منه أن يغادر من الموقع دفعني بقوة حتى أوقعني أرضاً قائلاً: هذا البندق اشتريته من مالي الخاص وليس منكم, وسوف أدافع عن الثورة معكم, لم استطع التعليق, كان تاجراً اسمه السلامي, لقد قدمت المقاومة الشعبية أروع الأمثلة في الدفاع عن صنعاء والوطن. هذا مقاتل آخر ممن قدموا وقدموا ولم يطلبوا أي مقابل, اليوم ترى شعنون يسير في الشوارع راجلاً لا يمتلك سيارة ولا هيلماناً, يمتلك مجداً يتمنى أن يحكيه للأطفال والشباب, تراه يذرذر ذكريات المقاتلين ومن ضحوا بكل شيء, لا يتحدث عن نفسه إلا حين تصر وتضايقه, فيتحدث باستحياء وخجل المقاتل الكبير, مثل علي شعنون كثيرون منسيون ليس بأشخاصهم، بل لأن لا أحد يسجل ما في رؤوسهم ويقدمه للأجيال اللاحقة, ولن أنسى ما حييت ماحدث في اليوبيل الفضي لثورة سبتمبر, لقد كلفني الأستاذ الزرقة أن نجري مقابلات مع مناضلي الثورة، فجرتنا أقدامنا إلى بيت أحمد الجرموزي وكان نائباً لرئيس الأركان في فترة من الفترات, كان الرجل مريضاً وانفجر يبكي حين رآنا: تذكرتوني أخيراً, كثير من أمثال الجرموزي لا أحد يتذكرهم, كذلك لا أحد يعرف علي شعنون وزملاءه من كل الأرض اليمنية, وفي البلدان المتقدمة ترى أبطال الحرب وقد رفعوا على أكتافهم ما يدل عليهم, فترى العامة يحترمونهم ويقدمونهم في الحافلات والطوابير, وفي كل ذكرى تراهم يتقدمون الصفوف, لقد ذهلت حين رأيت ناتانيا في موسكو يوم ذكرى الانتصار على الفاشية, كل يوم تراها عاملة البوفيه في الكلية التحضيرية لجامعة موسكو, وفي ذلك الصباح كانت هناك في الصف الأول والجميع يفسح لها الطريق, وعلى صدرها النياشين, ظهرت امرأة أخرى في لحظة مجد, من رفع شعار الجمهورية أو الموت في قريته في إحدى قرى الوطن يتبول على ملابسه لا يدري به أحد!!, هل يمكن أن نحلم بأن يأتي يوم نرى من قدموا نقدمهم على أنفسنا في كل شيء احتراماً, وترى الجميع يرفعون الكوافي تقديراً, لن يكلفنا ذلك الكثير, بأيدينا أن نقدم لأولادنا درساً في القيم, علي شعنون سترونه يومياً يجلس إلى كرسي في مقهى أمام ما كان يعرف بالمدرسة الفنية الصينية يؤمه أفراد الجالية الاثيوبية الذين هم أنقى أهل الأرض, هناك علي يجتر ذكريات مجد لا يزال في نفسه, وتتلقى منه الشوارع التي يمر فيها يومياً ألف حسرة على ما يضيع منها, علي شعنون .. شكراً. [email protected]