آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    كيف طوّر الحوثيون تكتيكاتهم القتالية في البحر الأحمر.. تقرير مصري يكشف خفايا وأسرار العمليات الحوثية ضد السفن    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ مجاهد القهالي : إبراهيم الحمدي قتل بحضور الغشمي وعدد آخر
نشر في التغيير يوم 25 - 05 - 2006

" التغيير" عن " الوسط " حوار جمال عامر: الشيخ مجاهد بن مجاهد القهالي من مواليد 1950م، قضى أكثر من ربع قرن في المنافي والتشرد. تخرج من الكلية
الحربية عام 68 الدفعة السابعة برتبة ملازم ثاني. تعين قائد سرية في لواء العاصفة. ثم قائدا للكتيبة الثالثة عاصفة. وشارك في تأسيس قوات العمالقة، ثم قائدا لمدرسة العمالقة لتدريب الوحدات الخاصة. ثم عُين أركان حرب اللواء الثالث عمالقة. ومن ثم قائدا للواء الأول مشاة في تعز، الذي انتقل الى عمران في 75، واسندت اليه قيادة الوحدات العسكرية في عموم المناطق الشمالية.
على الصعيد السياسي، كان عضوا في مجلس قيادة الظل لحركة 13 يونيو، وأمينا عاما لجبهة التصحيح الديموقراطية، ثم نائبا لرئيس الجبهة الوطنية وسكرتير العلاقات الداخلية في عدن.
بعد الوحدة اصبح امينا عاما لتنظيم التصحيح الشعبي الناصري، وعُين عضوا في مجلس النواب. ثم انتخب مقررا للجنة الدفاع والأمن في أول مجلس نواب بعد الوحدة.. انتخب عضوا في مجلس النواب عام 97م.
:: كانت بداية الحوار مع الشيخ مجاهد القهالي حول أحداث أغسطس، والتي وقعت عقب تخرجه من الكلية الحربية؟
* يطيب لي في البداية أن أتقدم بأسمى أيات التهاني والتبريكات إلى أبناء شعبنا اليمني الكريم في الداخل والخارج بمناسبة ذكرى اليوم الوطني السادس عشر، ذلك اليوم التاريخي المجيد الذي قدم شعبنا التضحيات الجسام من أجل بلوغه والوصول إليه، سائلين المولى تعالى أن يعيد هذه المناسبة و قد تمكن شعبنا من تحقيق أحلامه في حياة العزة و الكرامة و العدل الاجتماعي و المساواة وبناء دولة المؤسسات وسيادة النظام والقانون و التبادل السلمي للسلطة و الخلاص من كل أشكال الفساد والاستبداد والتخلف إنه سميع مجيب. ورداً على السؤال فقد كانت البداية عندما وصل الي علي سيف الخولاني، الذي كان نائبا لرئيس هيئة الاركان العامة، واخبرني عن تجمع لرجال القبائل في منطقة ريدة بقيادة الشيخ مطيع دماج والشيخ أمين أبو رأس، وأنه قد تم اعدام العقيد احمد الضلعي قائد منطقة عمران، الذي كان يقود كتيبة معين التي تدربت على يد القوات المصرية. وقال الخولاني أن عبدالله صالح وهو زعيم احد الاحزاب اليسارية، يحضر هذه الاجتماعات تمهيدا للدخول الى صنعاء. وان هذا التجمع اقرب الى حركة القوميين العرب والى عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس هيئة الاركان. واقترح ان نذهب الى اللواء حسن العمري الذي كلفني، باعتباري احد وجهاء تلك المناطق، للالتقاء بالعسكريين والقبائل واقناعهم بالدخول الى صنعاء. وفعلا نجحت، وعدنا بالمئات الذين قمنا بتدريبهم وتسليحهم، وتسميتهم بالكتيبة ثالثة عاصفة.
:: هل يمكن أن تحدثنا عن الأسباب التي أدت إلى قيام أحداث 23 و 24 أغسطس وطبيعة القتال الذي دار في تلك الأحداث؟
* هنالك من القيادات السياسية والعسكرية من هم أكثر مني إلماماً واطلاعاً ولكني سوف أتحدث بما هو في علمي و مازال في ذاكرتي عن تلك الأحداث:
«إن أحداث 23 و24 أغسطس عام 1968 تعتبر امتداداً لما سبقها من تراكمات واحتقانات تمخضت عن طبيعة الصراعات السياسية التي كانت تدور في اليمن حين ذاك، أهمها الخلاف الذي أدى إلى انقسام واضح في الصف الجمهوري نفسه بسبب الحرب الملكية و الجمهورية و بسبب الدور المصري في اليمن أفضى إلى انعقاد مؤتمر السلام في خمر برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، ومن أهم قراراته المصالحة الجمهورية الملكية و حصر الخلاف مع أسرة أل حميدالدين والعمل على قيام علاقات يمنية مع دول الجوار.
ولقد تكون عقب ذلك المؤتمر اصطفاف جمهوري كبير أدى إلى قيام حركة 5 نوفمبر التي أطاحت بالرئيس عبدالله السلال وأتت بالرئيس القاضي عبدالحمن الإرياني خلفاً له.
وبعد عدة شهور من قيام حركة 5 نوفمبر وانسحاب القوات المصرية من اليمن اشتد القتال الملكي الجمهوري وحوصرت صنعاء (حصار السبعين يوماً)، تمكنت القوات الجمهورية بمختلف تشكيلاتها العسكرية و الشعبية من إحراز نصر رائع ثبت فيه ورسخ النظام الجمهوري و إلى الأبد إن شاء الله، ونشأت في أواخر السبعين يوماً خلافات سياسية وحزبية ومناطقية و عسكرية داخل الصف الجمهوري على النحو التالي:
أولاً: الاصطفاف الكبير بقيادة الرئيس عبدالرحمن الإرياني والشيخين/ عبدالله الأحمر وسنان أبو لحوم و عدد كبير من كبار الرتب العسكرية و وجهاء اليمن الذين كانوا يدعون إلى تحقيق أهداف مؤتمر السلام في خمر.
ثانياً: الاصطفاف السياسي لحركة القوميين العرب وأحزاب اليسار ومؤتمر ريده لرجال القبائل اليمنية برئاسة الشيخ/ أمين أبوراس و الشيخ/ مطيع دماج والعقيد/ أحمد الضلعي قائد منطقة عمران والمحور الشمالي حين ذاك ومعه العقيد محسن دحان الضلعي و الرائد يحيى مجاهد القهالي الذين أعلنوا تأييدهم لمؤتمر ريدة بجميع قواتهم العسكرية المتواجدة في المنطقة.
ثالثاً: حزب البعث العربي الاشتراكي: الذي وقف إلى جانب الرئيس عبدالرحمن الأرياني والفريق العمري و الشيخين عبدالله الاحمر و سنان أبو لحوم.
رابعاً: القوات المسلحة: والتي انقسمت إلى قسمين:
الأول: تمثل في سلاح المدرعات ولواء العاصفة وعدد من الوحدات الأخرى
الثاني: تمثل فيه كل من قوات الصاعقة المظلات و سلاح المدفعية و اللواء العاشر وعدد من الوحدات الأخرى.
ومن المؤسف جداً أن الانتماء إلى تلك الوحدات العسكرية كاد أن يكون في االغالب انتماءً مناطقياً أدى إلى تفاقم الاوضاع وعجل بالانفجار.
وفي تلك الفترة استدعاني العقيد علي سيف الخولاني إلى مكتبه وقال بأن التجمعات المتواجدة في ريدة تشكل خطراً كبيراً على الوضع في العاصمة و طلب مني الذهاب معه إلى الفريق العمري و تحركت معه، وطلب مني التحرك إلى ريدة والعمل على استدعاء أفراد و ضباط القوات العسكرية المتواجدة في ريدة إلى صنعاء، و فعلاً تحركت إلى منطقة عيال سريح وأقنعتهم بالدخول إلى صنعاء، وبعد عدة أيام تحركنا مشياً على الأقدام إلى منطقة المعمر همدان واستقبلنا فيها عدد من المسؤولين ومعهم عدد من السيارات وتحركنا إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في صنعاء - حالياً وزارة الدفاع - وتمركزنا فيها تم تنظيم القوة تسليحها تحت مسمى الكتيبة الثالثة عاصفة، وبدخول هذه القوة إلى صنعاء ضعف الوضع في ريدة و تقوى وضع العاصمة صنعاء.
و ما أود أن أقول هنا بأن انفجار أحداث 23 و24 أغسطس لم يكن مخططاً لها من قبل أي قوة عسكرية أو سياسية للاستيلاء على الإذاعة أو القيادة أو للسيطرة الكاملة على العصمة.
ولكن كان هنالك طموح لدى كل مركز قوى لإحكام السيطرة على الأوضاع في الفرصة التي يراها مناسبة له، وكانت قيادة حركة القوميين العرب بقيادة الأستاذ المرحوم/ عبدالحافظ قائد على تواصل مع المقدم إبراهيم الحمدي لغرض الوصول إلى تسوية للأزمة والخروج منها بسلام.
ولكن سرعان ما تفاقمت الأزمة و ساد التوتر في العاصمة صنعاء، خصوصاً بعد أن أصدر الفريق العمري قراراً يقضي بعزل النقيب/ علي مثنى جبران قائد سلاح المدفعية من قيادة السلاح و الذي كان موالياً للنقيب/عبدالرقيب عبدالوهاب ولحركة القوميين العرب بدأت قوات المدفعية التمركزة في المطار الجنوبي للعاصمة صنعاء تطلق العيارات النارية في سماء صنعاء كتعبير عن رفضها لذلك القرار.
و بدأت العناصر الفوضوية من هنا وهناك تنزل إلى الشوارع تستحدث نقاطاً وحواجز كل ضدد الآخر وتقوم باحتجاز العسكريين و المدنيين حتى وصل الأمر إلى احتجاز الأستاذ/ محسن العيني في قيادة سلاح الصاعقة هو ومن معه من الذين كانو يبذلون جهوداً ومساع حميدة تحول دون الوصول إلى مرحلة الانفجار.
كما كان الحوار يجري بين المقدم/ إبراهيم الحمدي من قيادة حركة القوميين العرب وعبدالرقيب عبدالوهاب، حيث طلب الحمدي منهم القبول بقرار الفريق العمري و تهدئه التوتر و بعدها يجري الاتفاق معهم على تسوية سياسية لمجمل الأوضاع، لكن الأمور خرجت عن سيطرة القيادات وتكاثرت النقاط و الحواجز، بالذات في يوم 22 أغسطس وأتذكر بأن الفريق العمري أصدر لي توجيهات بتحريك سرية من الكتيبة الثالثة عاصفة إلى التبة - التلفزيون حالياً - للتمركز فيها للحيلولة دون احتلالها من قبل قوات المظلات بهدف إعاقة حركة الكتيبة السادسة مدرع و التي كانت في موقع رسلان و بهدف قطع طريق صنعاء، عمران وصعدة المجاور للكلية العسكرية.
وفي يوم 23 أغسطس صدرت إلي أوامر من الفريق العمري بتحركي بمهمة عسكرية الى بني مطر - طريق الحديدة - فتحركت ومعي 21 فرداً من أفراد الكتيبة، و في العودة و حين وصلت إلى الجولة المؤدية إلى كلية الشرطة وميدان التحرير تفاجأنا بكمين كبير من قوات الصاعقة قد أحكم تمركزهم في ذلك المكان، و باشروا إطلاق النار علينا على الفور وتبادلنا إطلاق النار معهم و سقط العديد من الشهداء والجرحى، أبرزهم الشهيد يحيى النجار القهالي رحمه الله ولا أعرف الأسماء من الطرف الآخر رحمهم الله جميعاً.
ولأن القوة المتمركزة في الكمين كبيرة جداً و تفوق أعداد أفرادنا بعدة أضعاف، تم الانقضاض علينا وتم أسرنا وحجزنا في معسكر الصاعقة، حيث جرى فصلي عن الأفراد و صدر حكم اعدامي إلى أحد الضباط الذي كان تربطني به زمالة الكلية العسكرية، حيث ذهب لإحضار كلب الصاعقة المشهور كي يقدمني له وجبة شهية، و في أثناء ذهابه لذلك الغرض وتأخره عن التنفيذ لدقائق محدودة إنفجر الوضع بشكل أكبر، حيث كان قد وصل الرائد/ يحيى القهالي بقوة كبيرة إلى موقع الكمين في الجولة نفسها ودار اشتباك سقط فيه عشرات القتلى والجرحى وأما أنا فقد أنقذني من الإعدام سقوط العديد من قذائف الهاون على قيادة سلاح الصاعقة و تفرق الناس يميناً وشمالاً للبحث عن ملجأ، وتمكنت من الحركة نحو معسكر الشرطة العسكرية المجاور في مبنى العرضي القديم والتقيت فيه بالأخ الملازم/ علي عاطف هارون والملازم/ عبدو فارع سيلان وهما زميلان من أيام الكلية العسكرية، وقدما لي عددا ًمن القنابل والسلاح وتمكنت من النجاة وتحركت باتجاه وزارة الداخلية والتقيت هناك بالمسؤولين فيها منهم العقيد/ لطفي الكلابي وبدورهم أبلغوا قيادة الكتيبة وصلت مجموعة من الجنود على متن مدرعتين و عدت إلى مقر القيادة، و كان أفراد الكتيبة قد احتجزوا أكثر من تسعين ضابطاً وصف من قوات الصاعقة والمظلات أبرزهم الذي أتذكره الأن النقيب/ علي النصيب نائب قائد المظلات والنقيب/ البيضاني والملازم/ وحشي إبراهيم و الملازم/ أحمد الجهمي والملازم/ عبدالولي العامري وآخرون من الضباط والصف.
وفي اليوم الرابع والعشرين من أغسطس تحركت الكتيبة السادسة مدرع بقيادة المقدم/ محمد أبو لحوم وقوات من قيادة سلاح المدرعات و سرايا من الكتيبة الثالثة عاصفة ولواء العاصفة المتواجد في مذبح باتجاه العرضي والمطار الجنوبي، كما تحركت قوات قبلية كبيرة من القوة التي كانت تتمركز في منزل الشيخ/ عبدالله الاحمر والمنازل المجاورة له باتجاه مدرسة المشاه في باب اليمن والتي تم اقتحامها من قبل تلك القوة وقوة المدرعات والعاصفة، كما تمكنت القوات المتحركة إلى المطار الجنوبي من المدرعات والقبائل والعاصفة من السيطرة على المطار الجنوبي بشكل نهائي في نفس اليوم.
وفي عصر يوم 24 أغسطس، اجتمعت بضباط وأفراد الصاعقة والمظلات المحتجزين في مقر الكتيبة وأفرجت عنهم و طلبت منهم الإفراج عن 21 شخصاً الذين وقعوا في الأسر من جراء الكمين الذي نصب لي من قبل قوات الصاعقة ووعدوا بذلك واتفقنا على التعاون و توقيف القتال، وفعلاً نفذوا ذلك على الفور، إلا أن قيادة المظلات وللأسف قامت بإعدام بعض الضباط الذين أفرجنا عنهم بتهمة أنهم قد اتفقوا معنا ومنهم الملازم/ الجهمي والملازم/ النهمي رحمهما الله، وفي نفس مساء يوم 24 أغسطس كانت الحوارات و الوساطات الحميدة مستمرة ودون توقف حتى تمكنت الأطراف السياسية جميعها من الاتفاق على وقف إطلاق النار و ترحيل عدد من القيادات العسكرية إلى الجزائر أبرزهم العقيد/ علي سيف الخولاني والنقيب عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس هيئه الاركان.
:: هل الكتيبة الثالثة عاصفة هي نواة تفجير احداث اغسطس؟
* لا.. الأزمة كانت بسبب الصراع السياسي الذي كان جاريا في صنعاء وعموم اليمن، بين حركة القوميين العرب والبعث، وبين الرتب الحديثة والرتب القديمة. وكان الحضور المناطقى لوحدات الصاعقة والمظلات، وايضا للعاصفة. اقول ذلك وأنا كنت في قلب تلك الاحداث. وكان الحضور القبلي والسياسي من الاسباب التي ادت الى تفاقم الأزمة. بالاصافة الى ان العمري اتخذ قرارا بتغيير علي مثنى جبران قائد سلاح المدفعية، وتعيين بدلا عنه، ما جعل وحدات المدفعية في الضاحية الجنوبية لصنعاء، تطلق نيرانها باتجاه العاصمة. وتم رفض القرار وتفاقمت المشكلة بعد ان رفض عبدالرقيب القرار ايضا، لأن رأيه لن يؤخذ. وساعد في تأزيم الأوضاع خروج عدد من المجاميع الفوضوية الى الشارع من طرفي الصاعقة والعاصفة، حيث قامت كل وحدة باحتجاز الجنود المنتمين الى الطرف الآخر، حتى وصل الأمر الى احتجاز اللجنة التي كانت برئاسة محسن العيني في سلاح الصاعقة. وبدأ نزول اطراف النزاع الى الشوارع ابتداء من 20 اغسطس.
وأذكر أنه في 21 اغسطس ابلغني علي سيف الخولاني بتوجيهات حسن العمري بتحريك سرية من الكتيبة التى كانت متمركزة في القيادة العامة، الى تبةالتلفزيون حاليا. وحين تحركت فوجئت بقدوم عدد من وحدات المظلات التي جاءت للسيطرة على نفس التبة لقطع الطريق على الكتيبة السادسة مدرع بقيادة محمد عبدالله أبو لحوم. لم يكن الصراع محصورا بوحدات من القوات المسلحة، بل كان ايضا تجمعا قبليا في منزل الشيخ عبدالله.
كنت عائدا من بني مطر، التي توجهت اليها بناء على أوامر الفريق العمري، لحل مشكلة بين عدد من الضباط القادمين من عدن وآخرين من لواء الوحدة، عندما فوجئت بكمين من قوات الصاعقة في جولة الزبيري. تبادلنا اطلاق النار وسقط شهداء من الطرفين. وحينما انتهت الذخيرة منا تم اسرنا، وصدر قرار من رئيس الاركان بتصفيتي، ومازلت اتذكر المكلف بها واسمه عبده فارع شبيطة، الذي ذهب ليحضر كلبا ضخما كان يتواجد في معسكر الصاعقة ليأكلني بعد أول رصاصة، وهذا ما أخبرني به شبيطة شخصيا عندما التقينا في عدن.
اثناء ذلك سقطت قذائف اُطلقت من قصر السلاح ومناطق اخرى، وهو ما سهل عملية فراري.
في 23 اغسطس وصباح 24 منه، دخلت وحدات من الكتيبة السادسة مدرع الى مركز العاصمة، والتحقت بالموجودين في مدرسة المدرعات المجاورة لمدرسة المشاة، وجرت اشتباكات في ذلك المكان. كما ان القبائل المتمركزة في منزل الشيخ عبدالله بدأت هجومها من سور باب اليمن على معسكر مدرسة المشاه الذي سقط إثرها.
وفي 24 اغسطس تحركت وحدات اخرى الى المطار باتجاه معسكر المدفعية التي كان يقودها على مثنى جبران، وحسم الأمر أيضا. وفي عصر نفس اليوم اُبلغت أن أكثر من تسعين شخصية قيادية محتجزين في معسكر الكتيبة، وكلهم قياديون على رأسهم علي النصيب نائب قائد سلاح المظلات والبيضاني وعبدالولي العامري. وقد اخرجتهم جميعا من المعتقل واتفقنا على التهدئة وعودتهم الى وحداتهم ليفرجوا عن العسكريين المحتجزين في معسكر الصاعقة. وتم تنفيذ الاتفاق. بعدها تحركت الوساطات السياسية وعلى رأسها القاضي الارياني ومحسن العيني وغيرهما، وتم الاتفاق على اخراج القيادات التي تسببت في الصراع الى الجزائر، ولذا فإن هذه الاحداث تداخلت فيها المناطقيه بالسياسة وكان مؤسفا ان يحدث ذلك ويبدو ان قدرنا في اليمن هو ان نحكم بالأزمات حيث يدفع الشعب ثمن ذلك وكأنما قد اتخذ قرار بان نعيش مراوحين في الماضي بينما غيرنا يتقدم الى الامام.
:: كيف كانت البدايات الأولى لحركة 13يونيو التصحيحية؟
* كانت بداياتها حينما تبنى الشهيد ابراهيم الحمدي مجموعة من الأفكار التصحيحية للأوضاع المالية والإدارية بما فيها انشاء الحركة التعاونية التي يكون للمواطن فيها الدور الأساسي في التنمية والتي جمعت بين امكانيات الدولة وجهد المواطن داخل القوات المسلحة وخارجها وكان حينها قائدا لقوات الاحتياط العام و بعد تقديمه لهذه الأفكار تم تعيينه نائبا لرئيس الوزراء لكي ينفذ المشروع الذي تبناه وفعلا حقق نجاحا كبيرا.
:: أنت أين كنت حينها؟
* أنا كلفت مع الشهيد عبد الله الحمدي بالانتقال الى ذمار لتكوين اللواء العشرين الذي أصبح اسمه بعد حرب 72 بين الشمال والجنوب لواء العمالقة، وكان له دور في حسم معركة الحشا.
:: هل كنت قائد المعركة؟
* لا.. كان قائد الحملة علي عبدالله صالح حيث وصل على رأس قوة عسكرية وكان حينها قائد باب المندب واسندت لها ثلاث كتائب عاصفة ووصلت بكتيبة من اللواء العشرين. واتذكر انني وصلت وهو موجود في طوران الحشا وكانت قمة جبال الحشا شاهقة والوصول اليها صعب وكان فيها مقاتلون شرسون وتتوفر لديهم اسلحة لا بأس بها. وحين أصريت على اقتحام هذه القمة كانت توجيهاته لي بانه لاداع لقيامي شخصيا بقيادة الاقتحام، وقال لي (انت شخص معروف وعندك وسام بطولة اليمن ولست بحاجة الى ان تبرز نفسك أكثر وممكن تكلف آخرين). فقلت له (انا افضل ان اكون موجودا على رأس هذه القوة تحاشيا لوقوع أي أخطاء). ومما أذكره انني كنت وعلي عبدالله صالح في دشمة بالموقع واستأذنته بالنوم استعدادا للصعود الى قمة الجبل حيث استغل نومي وقام بكتابة بعض الاسئلة. وحينها كان عندي ساعة مرسوم عليها سيفين ونخلة اهداها لي الملك فيصل، حينما زرته برفقة ابراهيم الحمدي وحسين العمري. وكانت هذه الاسئلة (من اين لك هذه الساعة؟ وما علاقتك بالقوى الرجعية؟). والظريف انه رد على هذه الاسئلة بنفسه. وقد تفاجأت بهذه الورقة وانا في الموقع واتصلت به باللاسلكي استفسر عن سببها. فرد ضاحكا (انا استبقت الأمر لأنني أعرف أنك لو وقعت في الأسر، فإنه من الصعب أن يستخرجوا منك مثل هذه المعلومات، فسهلت عليك وعليهم المهمة حينما يعثرون على هذه الورقة في جيبك، وعليها الأسئلة والأجوبة).
:: هل كان للرئيس أي توجه بعثي أو قومي؟
* أنا شخصيا لم ألمس له أي توجه، لا بعثي ولا قومي. ولم يكن له أي خلفية سياسية. وحينئذ كان ينحصر الحديث حول المعركة.
:: شيخ مجاهد لو نعود لبدايات حركة 13يونيو؟
* نعم في 72 عاد الحمدي الى القوات المسلحة كنائب للقائد العام، وكلفت بالتحرك الى قعطبة لاسترجاعها بعد أن كانت قد سقطت في يد الجبهة الوطنية. وكان الحمدي قائداً لجبهة القتال هناك، وقام بتحويل اللواء العشرين الى قوة عسكرية خالصة، حيث كان غير راض عن المتواجدين في أرض المعركة من القبائل التي استفزت المواطنين وقامت بعمليات نهب في تلك المناطق. وفي هذه المرحلة بدأ بتكوين قوات مسلحة منظمة ومؤهلة، وتشكيل نواة لمجلس القيادة الذي تولى الحكم بعد 13 يونيو 1974م.
:: من كان هؤلاء الذين شكلوا نواة المجلس؟
* علي قناف زهرة، عبدالله الحمدي، في المرحلة الأولى. واضيف اليهم في المرحلة الثانية، المقدم احمد الغشمي، والرائد علي عبدالله صالح، والرائد احمد فرج، ومنصور عبدالجليل، ومحسن سريع، ومحمد خميس، وحمود قطينة بالاضافة الي. هؤلاء كانوا القيادة الاصلية لمجلس القيادة. وكان هؤلاء منتشرين في جميع الوية القوات المسلحة، ولولاهم لما قامت حركة 13 يونيو.
:: ما هي الاسباب التي أدت الى قيام الحركة؟
* كانت هناك أزمة سياسية بين الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس الشورى، وبين القاضي عبدالرحمن الارياني، حول جملة من القضايا ادت الى الاحتقان السياسي، مما جعل الجيش يتدخل بقيادة ابراهيم الحمدي، وطُلب من الطرفين تقديم استقالاتهم. فذهب الارياني الى دمشق والأحمر الى خمر. وكان الاتفاق ان يكون وضع الحركة مؤقتا، وبعدها يعود الى قيادة مدنية. ولكن حركة 13 يونيو تبنت مجموعة من الافكار والقضايا لمحاربة الفساد والتصحيح المالي والإداري واقامة مشاريع التنمية. تفاعلت الجماهير في مختلف مناطق البلاد مع هذه المبادرات، حيث نهضت البلاد الى وضع افضل.
:: حين قامت الحركة اين كان موقعك؟
* كنت اركان حرب اللواء الثالث عمالقة، وقائد اللواء في المناطق الوسطى، لأنه لم يكن هناك قائد في المنطقة. وبعد الحركة مباشرة تم تعييني قائدا للواء الأول مشاه في تعز، وعين الرائد علي عبدالله صالح قائدا للواء تعز. وهناك تكونت بيننا علاقة طيبة، وكنا نلتقي لنناقش القضايا المتعلقة بعملنا. الى أن دعا الشيخ عبدالله الى مؤتمر خمر، وكانت نيته الدخول الى صنعاء بمجاميع قبلية كبيرة، وكان حوله التفاف من كافة القبائل اليمنية وبعض القوى السياسية الأخرى التي تضررت من الحركة.
:: تقصد البعثيين؟
* نعم.. كثير من القيادات البعثية كانت موجودة في خمر، وكذلك بعض القيادات السبتمبرية.
حينها استدعيت الى صنعاء وكان الحمدي والغشمي موجودين في القيادة، واخبراني ان الشيخ عبد الله ينوي الزحف الى صنعاء بمجموعة كبيرة من القبائل وان الوضع خطير لعدم وجود قوة كافية لصدهم. وكلفت بقيادة منطقة عمران وكان فيها لواء المجد الذي كان مجاهد ابو شوارب قائدا له، حيث تم تعيين علي صلاح احمد بدلا عنه. وتحركت الى عمران وتمكنت من السيطرة على المعسكر، حيث استغليت خروج الجنود للصلاة في المدينة والتقيت بمن تبقى وشرحت لهم الأمر. وأبلغت ضباط المعسكر بأوامر نقلهم الى تعز. ولم يحدث أي احتكاك بيننا. بعد ذلك التقيت بعدد من مشائخ المنطقة، وأخبرتهم أن الخلاف سياسي وأن عليهم ترك حله للسياسيين، وترك المسألة للحوار بين الحمدي والأحمر، وأن نبقى جميعا على الحياد.
:: أسألك: وأنت مع علي عبدالله صالح في تعز هل كنت تلمس منه طموحا للوصول الى الرئاسة، أو كنت تتوقع أن يصل اليها؟
* للأمانة أنه كان يتمتع بقدرات غير عادية وكبيرة للعمل، وفي تكوين العلاقات مع العسكريين. وكان يسعى لحل مشاكلهم. وكان عنده حيوية وديناميكية يتميز بها عن كثير من العسكريين حينها. وما كان احد يفكر في مسألة الرئاسة، ولكني شخصيا كنت اتوقع له مستقبلا، وكنت احترمه كثيرا.
:: هل حدثت ازمات داخل مجلس القيادة قبل اغتيال الحمدي؟
* نعم.. كان هناك مجلس قيادة الظل لحركة التصحيح الذي ذكرته آنفا، وحدثت داخله أزمة حيث حصل اصطفاف، طرفاه ابراهيم الحمدي ومعه علي قناف زهرة- عبدالله الحمدي - منصور عبدالجليل - عبدالله عبدالعالم، وأنا، وكان حمود قطينة واحمد فرج غير واضح موقفهما. الطرف الثاني كان يضم احمد الغشمي ومعه على عبدالله صالح ومحسن سريع. إلا أن الاصطفاف كان غير معلن.
:: ما هي أسباب الأزمة؟
* كنا نشعر أن الغشمي كان يريد أن يعمل شيئا، وان الثقة لم تعد كما كانت في الماضي. واذكر أنني تحدثت مع الحمدي في هذا الموضوع، إلا أنه رد علي (بالعكس الغشمي يتجلى كل يوم أفضل من سابقه). وتفاجأنا في اجتماع سبق مقتله ان الحمدي يقول (لماذا كل مجموعة تصطف وحدها؟ ولماذا لا تتزاورون بينكم؟). وفعلا التقينا في منزل علي قناف زهرة، أنا وعلى عبدالله صالح وحمود قطينة واحمد فرج وآخرون. كان اجتماعا وديا، ولكن ظل نفس الشعور ونفس الاحساس بأنهم يرتبون أمرا ما ضد الحمدي، بسبب أن له علاقة بالخارج. فالحمدي كان قد بدأ يتبنى مشروعا كبيرا هو تحقيق وحدة اليمن، بالاضافة الى استقرار الاوضاع في البحر الأحمر. كان هذان الموضوعان خطا أحمرا عند القوى الدولية والاقليمية. بالنسبة للداخل، كان الحمدي قد توصل مع سالم ربيع علي الى اتفاق لتحقيق وحدة اليمن وانشاء تنظيم سياسي اسمه المؤتمر الشعبي العام، يتكون من القوى السياسية المتواجدة في الساحة اليمنية. وكانت مشكلة الحمدي مع الشيخ عبدالله والقوى القبلية المساندة له. وهكذا اجتمعت على الحمدي قوى الخارج والداخل.
الحقيقة أن ابراهيم يتحمل جزءاً من المسئولية، لأنه لم يشرح لهذه القوى أن الوحدة لن تكون موجهة ضدها.
المهم اجتمعت انا وعلي قناف زهرة وعبدالله الحمدي، في منزل احمد الفقيه مدير مكتب ابراهيم، واتفقنا ألا ينزل الحمدي الى عدن إلا بعد أن يصدر قرارا بتغيير الغشمي من موقعه. واتفقنا أن يذهب كل منا منفردا لشرح الموقف للحمدي. كنت آخر من ذهب اليه، وطرحت عليه تقديم استقالتي ما لم يقبل برأينا. رفض ابراهيم ذلك، وقال (سبقك آخرون. انتم ماذا تفكرون؟ الغشمي لن يطمح لأكثر مما وصل اليه كرئيس أركان، ولا يفكر أن يصبح رئيس دولة. أنا أرفض تغييره. أنا أرفض تغييره. اذا أردتم الاستقالة فاستقيلوا). اعتبرت نفسي مستقيلا وذهبت إلى منزلي.
:: كيف علمت بمقتل الحمدي؟
* علمت أن الغشمي دعا الحمدي للغداء في ضلاع قبل أن يتغير مكان الدعوة الى صنعاء. وكنت أنا وآخرون قد نصحنا الحمدي ألا يذهب للغداء لا في ضلاع ولا في صنعاء، وزودنا الحمدي بحراسات من الوحدات التابعة لنا. أرسلت أنا خمسين شخصا. إلا أن الحمدي كان الالحاح عليه شديدا بالحضور. ومع أنه كان قد تناول طعام الغداء، وتكررت اتصالات الغشمي لكي يحضر للغداء، باعتبار أن عبدالعزيز عبدالغني وعددا من الوزراء قد حضروا، فمن الضروري أن يحضر لتحيتهم. وحينما خرج الحمدي كانت حراسته مازالت تتغدى، فقاد السيارة بنفسه الى منزل الغشمي مع حارس واحد فقط. وقبل ان يدخل الى الغرفة التي يتواجد فيها المدعوون الآخرون، أخذوه الى مكان آخر، وجد فيه أخاه عبدالله الحمدي مقتولا. وفي تلك اللحظة تم قتل ابراهيم بحضور الغشمي وعدد آخر من المشاركين في العملية.
تم ابلاغي في المساء بالحادث، وكان الغشمي قد ارسل عددا من الاطقم الى منزلي. وحين لم يجدوا أي حراسة في المنزل، اعتقدوا أني في معسكر عمران. وفي المغرب وصل بعض المشايخ الذين اخبروني بمقتل الحمدي. توجهت مباشرة الى معسكر المظلات، والتقيت بالأخ عبدالله عبدالعالم، وكان حينها يتحدث بالتلفون مع سالم ربيع علي، وهو يسأله عن الحادث بغضب شديد. في نفس اللحظة، اتصل الغشمي يسأل عني وحدثني أنه يريد مني الوصول فورا إلى القيادة العامة. وقبل ذهابي اليه، اتصلت بمنزل الحمدي، وسألت عنه، فقيل لي أنه ذهب الى منزل الغشمي ولم يعد. تحركت الى القيادة، وكان معي حراسة كبيرة، ودخلنا الى مبنى القيادة. وجدت الغشمي وبجانبه عبدالعزيز عبدالغني ومحمد الجنيد، يرتبون لدفن الحمدي. قال الغشمي (عظم الله أجرك). قلت له (في من). قال (بالحمدي). أجبته (بصفتي من؟ هل أنا نائبه أو قريبه؟ أنت أقرب الناس اليه)، وسألته (أين قتلته؟)، ويشهد عبدالعزيز والجنيد على هذا. فأجابني (انا لم اقتله. هو قتل في الستين.). فرديت عليه (كان في بيتك ولم يخرج على الاطلاق). فدخلنا في مشادة، وقال (البلاد ستسقط، وعبدالله بن حسين سيصل الى صنعاء.)، فقلت له (فليصل. البلاد بلاده). ولاحظت أن العديد من الجنود يقفون خلف الستائر مستعدين بآلياتهم ، وكان الغشمي قلقا وغاضبا. ولما كان يعلم أن معي حراسات كثيرة، تردد في تصفيتي.
:: ما الذي حدث بعد ذلك؟
* عدت الى عمران واجريت اتصالات بقادة المظلات واللواء السابع والاحتياطي العام، واتفقنا على التحرك في ثالث ايام الدفن لعمل تغيير عسكري. وفي اليوم المحدد فيما وصلت، تخلف الجميع. بعدها اقنعتني بعض الشخصيات الاجتماعية والعسكرية بالعودة الى عمران، مقابل تشكيل لجنة مدنية وعسكرية للتحقيق في مقتل الحمدي. وفعلا عدت الى عمران.
وصلتني رسالة من مجاهد ابو شوارب طالبا أن نتعاون جميعا وأنهم ليسوا موافقين على الاسلوب الذي قتل به الحمدي. وفي نفس الوقت ارسل الغشمي المرحوم عبدالله الشومي لاستلام قيادة اللواء إلا أنه لم يتمكن من ذلك، لرفض أفراد المعسكر.
:: يعني تم عزلك؟
* هم ارسلوا الشومي، ولو كان بمقدوره التنفيذ، لما تردد عن السيطرة على المعسكر. واستمريت في عمران معلنا رفضي لما حدث لمدة ستة أشهر،، وكنا ما بين المد والجزر، والاتفاق والاختلاف. كان من الصعب علي قبول ما حدث، لأنه أمر يندى له الجبين.
:: كيف انتهى الأمر مع الغشمي؟
* تواصلت مع الغشمي بعد الحاح وارسال وساطات كان على رأسها العميد علي الأكوع الذي تربطني به علاقة مصاهرة ونسب ووصلت إليه وعرض عليَّ تعييني قائداً للواء العمالقة أو قائدا للواء تعز ولمست أنه لم يكن راض عن علي عبدالله صالح لأنه كان له تواجد في تعز إلا أنه تراجع عن عروضه واستبدلها بقيادة معسكر باجل بالحديدة وسلم لي مفتاح منزله ورفضت وعدت إلى عمران بعدها تم حشد قوات عسكرية كبيرة بقيادة علي عبدالله صالح بغرض مهاجمتي وحين لم أكن قادرا على المواجهة وحرصا على الدماء قبلت بالوساطات التي كان من ضمنها الشيخ محمد يحيي الرويشان وعبدالله دارس وآخرون وقبلت أن أكون سفيراً لليمن في تشيكوسلوفاكيا وتحركت في طائرة خاصة ومعي العميد على الجائفي وبعض القادة العسكريين وحينما كنا في أجواء هذه الدولة فوجئنا بأنه لا يوجد تصريح للطائرة بالهبوط.
إلا أنني أصريت على الهبوط وفوجئت بعد أسبوعين بأن القرار هو وزير مفوض بدلا من سفير وفرضت عقوبات على كل المحسوبين علي في الداخل.
بعد ذلك تم ارسال اسرتي على طائرة خاصة دون علمي وكان هناك مخطط لدعوتي للغداء ثم تخديري والعودة بي إلى صنعاء.
:: ولكن كيف سافرت إلى اليمن الجنوبي آنذاك؟
* وصل إلي عدد من الإخوة في عدن منهم الأخ/ محمد مدحي وزير المالية وعلى عنتر رحمه الله وطلبوا مني زيارة عدن ومقابلة سالم ربيع علي وفعلا سافرت وقابلت (ربيع) وعدداً من القيادات وتم الحديث عن مقتل الحمدي.
:: شيخ مجاهد كنت قد ذكرت أن مجلس قيادة الظل اجتمع بعد مقتل الحمدي.. متى كان ذلك وأين؟
* نعم حدث لقاء واحد حضرته وحضره عبد الله عبد العالم بالاضافة إلى آخرين إلا أن الغشمي لم يحضر وكان ذلك بعد شهر من مقتل الحمدي في منزل عبدالعزيز عبدالغني مع أنه لم يكن عضواً في المجلس.
:: ما الذي جرى؟
* لا أتذكر بالضبط ولكن تحدث عبدالغني عن التهدئه وعن ضرورة استقرار الاوضاع إلا أن الاجتماع لم يفض إلى شيء.
:: ذكرت أنك شكلت النواة لتنظيم التصحيح؟
* نعم كونته مع عدد من الشخصيات عسكرية ومدنية.. كان ذلك بعد مقتل الحمدي وبعد ذلك استكمل بناؤه في عدن واصبح جبهة التصحيح والتحق بالجبهة الديمقراطية.
:: تم فيما بعد اضافة الناصري إلى مسمى التنظيم هل كان ابراهيم الحمدي ناصرياً؟
* لا أدري ولا استطيع الجزم لأنه لم يتحدث معي في هذا الموضوع إلا أنه كان قريباً منهم وحليفاً وكان بينهم تفاهم واحترام ،لم يكن بعيداً أوهم بعيدون عنه أما انا فلم تكن لي أي علاقة تنظيمية بهم.
:: حينما التقيت سالم ربيع علي، ما الذي حدث بينكما؟
* سالم استدعاني بعد مقتل الغشمي وقال لي إن الوضع في عدن.. خطير وان الغشمي قد انتهى وان بين القيادات في الحزب خلافاً كبيراً ونصحني بالخروج من عدن ففضلت العودة إلى الشمال حيث اقلتني طائرة إلى بيحان ثم إلى الشمال وبعد ذلك بيوم استشهد سالم ربيع علي.
:: حين وصلت إلى الشمال ما الذي حدث؟
* استمريت أربعة أشهر انتقل من منطقة إلى أخرى واستكملت تكوينات التنظيم إلا أنه حينما علمت القيادة في صنعاء بوجودي ارسلت حملة عسكرية كبيرة إلى منطقتي في عيال سريح وحدثت اشتباكات إلا أنه سرعان ما تدخلت الوساطات للالتقاء بالرئيس علي عبدالله صالح وكان لقاءً عجيبا في تلك الفترة.
:: كيف كان هذا اللقاء وأين العجب فيه؟
* أول ما التقينا احضر المصحف وقال هذا عهد بيني وبينك وبعدها طلب مني اخباره عن زيارتي إلى عدن وقلت له إنها اخوية وانني كنت بصدد العودة إلى تشيكو سلوفاكيا.
وسألني عن علاقتي بالناصريين والجبهة الوطنية.. كان اللقاء ودياً وتحدث عن حاجة البلاد للأمن والاستقرار وأن ما حدث لم يكن بمقدور أحد منعه واقترح علي مغادرة البلاد وتعييني ملحقاً عسكريا في سفارة القاهرة ، وبعدها بأيام كانت حركة 15 أكتوبر الناصرية.
:: ماذا كان دورك فيها؟
* أنا كنت حينها في منطقتي بعيال سريح فوجئت بقادة الحركة على رأسهم نصار على حسين علي باب منزلي في كهال وكان صعباً علي التخلي عنهم وقرروا السفر إلى عدن وذهبنا سوياً عبر الجوف ثم إلى مدينة العبر ومنها إلى عدن.
:: لم تجبني عن علاقتك بالحركة الناصرية؟
* كنت مطلعاً عليها وكان لدي اشعار بأن شيئاًً سيحصل ولكنني لم أكن ممن وضعوا الخطط في حينها لأنه كان هناك انقسام داخل الناصريين،فالبعض كان مع اطلاعي والبعض الآخر كان متحفضا.
:: وانت في عدن وقعت أحداث 13 يناير أين كنت من الأحداث؟
* لقد حدث اصطفاف في الجبهة الوطنية مع طرفي الخلاف وكنت أنا من الذين وقفوا مع على ناصر محمد وقد واجهت متاعب كبيرة بعد الأحداث لأن كل الذين كانوا مع علي ناصر انسحبوا معه وبقيت أنا ومن معي هدفا للطرف المنتصر وقبل أن اكون مع أي طرف بذلت مساع كبيرة وبالذات بعد أن جاءني الأخ صالح مصلح وعرض علي الالتقاء بعلي ناصر واخباره باستعداده للوقوف معه ولكن بشرط أن يكون عبدالفتاح اسماعيل الأمين العام المساعد أو رئيس الدائرة التنظيمية بحيث يتم في اجتماع المكتب السياسي اسقاط كافة قضايا النزاع ومناقشتها في المستقبل وفعلا التقيت علي ناصر في اللجنة المركزية وكان موجوداً سلطان أحمد عمر وطرحت عليه الأمر إلا أنه اشترط إخلاء بعض الوحدات العسكرية من محافظة عدن ، وقال لا يوجد وزير دفاع في العالم يختلف مع رئيسه إلا أنا وصالح مصلح ولما لم يتم ذلك انفجرت الاوضاع وبعدها تم زحف قوات عسكرية إلى منزلي وجرت بعض الاشتباكات إلا أن جار الله عمر تدخل وقال كلمات ما زلت أذكرها " اقتلوني قبل ان تقتلوا هذا الانسان وفتشوا بيتي قبل أن تفتشوا بيته وكان مما أخذ علي أن في بيتي بعض المجاميع المحسوبة على علي ناصر رفضت تسليمهم وللتاريخ فقد كانت هناك قيادات كبيرة من المكتب السياسي قالت لي" إذا استطعت قم بتهريب من عندك.
:: ألم يكن من الغريب أن تتحول من قائد لمقاتلة الجبهة الوطنية إلى قائد فيها؟
* انا حينها كنت جندياً من جنود الدولة ولم أكن راغباً في قتال الجبهة ومع ذلك كنت حريصا على حياة كل انسان وعلى املاك المواطنين سواء في المناطق الوسطى وفي غيرها فلم ينهب أي منزل.
:: قبل اعلان الوحدة كنت في عدن والتقيت الرئيس ربما في تعز؟
* نعم كان ذلك قبل الوحدة بشهر في مدينة تعز وقد حضر اللقاء عبدالله البشيري واللواء مجاهد ابو شوارب وعدد من الاخوة.
وكان لقاء عادياُ وشرحت له موقف التنظيم وتأييده للوحدة وتحاورت معه كحزب سياسي وقد رحب وطرح فكرة الانضمام إلى المؤتمر الشعبي العام باعتبار أنه ليس هناك فرق بين التصحيح والمؤتمر ورديت عليه أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الحوار.
:: ولكنك كنت وظليت حتى بعد حرب 94م محسوباً على الحزب الاشتراكي ؟
* كانت تربطني به علاقات طيبة مع أنه بعد الوحدة لم يقدم إلي الحزب أي دعم قياساً بتنظيمات أخرى ولا أدري لماذا ومع ذلك ظلت علاقتي مع الحزب لأنها قد تجذرت منذ زمن وكان من الصعب علي أن اتنكر للحزب الاشتراكي وأنا الذي عشت في عدن 17 سنة فمن الصعب حين وصوله إلى صنعاء أن اتنكر له.
:: وبخصوص الأزمات التي لحقت بالوحدة كيف تنظر إليها؟
* لقد كان الاخفاق في تنفيذ اتفاقيات الوحدة ولم تكن الفترة الانتقالية كافية لتنفيذها بالاضافة إلى أن حدوث الاغتيالات ضد قيادات الحزب قد اثرت في الاوضاع بشكل كبير، كما أن اصحاب المصالح من الطرفين قد اججوا مثل هذه الاختلافات.
:: كان يطرح أن الحزب الاشتراكي تبنى تنظيم التصحيح والمؤتمر تبني الحزب الديمقراطي لتفريخ التنظيم الناصري؟
* الفرق كبير.. نحن كتنظيم مثبت ليس على اساس ناصري.. التنظيم الموجود كحزب ناصري فعلي في اليمن هو التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري ولكننا نحترمه ونقدره.
:: إذا لماذا اضفتم مسمى ناصري؟
* كان ذلك نزولاً عند رغبة الاستاذ عبدالفتاح البصير والدكتور أبو غانم وهما قياديان ناصريان كبيران وكان معهما مجاميع كبيرة وتم الاتفاق على تكوين تحالف مشترك وكان من شروطهم أن يضاف (الناصري) إلى اسم تنظيم التصحيح الشعبي.
:: كيف انتهى التنظيم؟
* التقيت مع عدد كبير من اعضاء التنظيم بعد الحرب وطرحت لهم ان الاستمرار في هذه الظروف صعب لعدم امكانية التمويل بينما أنا موجود في الخارج وقلت لهم من شاء أن يرتب وضعه فليفعل ومن شاء أن يجمد نفسه فلا مانع واتفقنا أن نجمد النشاط العلني.
:: هل كان تنظيمك امتداداً لحركة ابراهيم الحمدي؟
* نعم كان امتدداً لحركة ابراهيم التصحيحية ولكن مع تطور الزمن انخرط في التنظيم ناس آخرون ولكن مع ذلك الحمدي وضع افكارا لمشروع وطني لا تزال آثاره قائمة حتى اليوم.
:: ما صحة الحديث عن ترشيح نفسك للرئاسة؟
* .. البلاد في الظرف الراهن تمر بأزمة حقيقية تتمثل في كيفية الاتفاق على الحكم وعلى اصلاح ارضية الملعب بهدف الحصول على الحد الأدني من النزاهة في الانتخابات القادمة بما يشرف اليمن وقواها السياسية حاكمة ومعارضة بروح الحكمة وليس بغيرها أما مسألة من يرشح نفسه أو لا يرشح فلكل حادث حديث والسياسة هي فن تحقيق الممكن وبما يضمن لم شمل ابناء الوطن.
:: اعلنت احزاب المشترك عن برنامجها للاصلاح الوطني الشامل.. كيف وجدته؟
* البرنامج حدد الطرق الأمثل لوضع القيم الديمقراطية بوجه التسلط وفي مضامينه تحديد اشكال جديدة للتعايش قائمة على الاصلاح والمصالحة والعدل الاجتماعي والاحترام لحقوق الانسان ورفض كل اشكال الاضطهاد والعنف والتوزيع العادل للثروة والأخذ بالنظام البرلماني والتبادل السلمي للسلطة وغيرها من القيم الديمقراطية ،إذ يعتبر من البرامج السياسية النوعية والمتطورة والكثير من القوى السياسية لديها حاليا برامجها المتعلقة بالاصلاح أكانت حاكمة أو معارضة والمهم في هذه المرحلة هو الحوار الجاد والمثمر لكل اطراف العمل السياسي بما يحقق الوفاق الوطني.
:: هل تعتقد أنه لو تمت انتخابات نزيهة وحرة هل يمكن أن يفوز فيها المرشح المنافس للرئيس؟
* أولاً أنا لست ممن يقدمون العربة على الحصان وثانيا من الصعب تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لاجراء انتخابات تنافسية تتكافأ فيها الفرص بعصا موسى.. فالمسألة تحتاج إلى وقت كاف لاصلاح اوضاع الدولة ومؤسساتها كي تكون قابلة للتداول السلمي للسلطة ومهنية فإذا كانت احزاب المعارضة وحزب الحاكم لم تتوصل إلى الوفاق حول توسيع قوام اللجنة العليا للانتخابات بما يحقق التوازن فيها وتصحيح قوائم سجل الناخبين من خلالها فكيف بإصلاح مؤسسات الدولة وحيادية الجيش والأمن والمال العام والقضاء.
:: الشيخ حميد الأحمر دعا إلى ثورة شعبية لمواجهة الفساد.. فهل أنت مع هذا الطرح؟
* في حالة ما فقدت كل وسائل الحوار والمنطق والحكمة.. وأنا على يقين بأن منطق العقل والحكمة هو الخيار الغالب في نهاية المطاف لتحقيق الأهداف المنشودة في الاصلاحات الوطنية الشاملة ولتهيئة المناخ الملائم لقيام انتخابات رئاسية ومحلية نزيهة ولو بحدها الأدنى.
وربما ان ما قصده بمفهوم الثورة وبحسب تقديري هو استخدام الوسائل العصرية بخروج المظاهرات.
:: ما هي أبرز ذكرياتك مع الأستاذ جارالله عمر؟
* لقد كان المرحوم الأستاذ جارالله عمر جامعاً لخصال الخير و المحبة الصادقة وأخاً وصديقاً للجميع
وهو القائد السياسي التاريخي النادر في الرجال الذين عرفوا بالنضال من أجل الديمقراطية والوحدة و بالثبات والصمود في المواقف الصعبة وخلد تاريخاً حافلاً بالعطاء من أجل التجديد و التحديث والمصالحة و الوئام و الوفاق و ترسيخ ثقافة الديقراطية و سلوكها الحضاري و التحرر من ضيق أفق الإطارات الأيدلوجية و الزعامات الفردية و نبذ العنف و بث روح التسامح و احترام حقوق الاختلاف في الرأي.
و هو من القلائل الذين عرفوا بقوة المنطق و الحوار بروح الحكمة و مكارم الأخلاق وحياته كلها كانت حافلة بحب الناس و حب الوطن و نبذ التعصب أياً كان نوعه و هو من قال «نحن نقول بأننا يسارفأين يميننا لماذا لا نتحاور معهم و نجادلهم و نقدم النموذج الأفضل للتعايش و القبول بالآخر».
ولقد جمعتني بالشهيد جارالله عمر ذكريات مواقف منذ بداية السبعينات و حتى قبيل استشهاده بفترة وجيزة، و أتذكر كلامه الأخير الذي قاله لي وأنا في وداعه في مطار دبي في خواتم شهر رمضان المبارك بعد أن أكمل إجراء اتصالات تلفونية مع الأخ الدكتور محمد عبد الملك المتوكل و الأخ الدكتور عبدالقدوس المضواحي و بعائلته الكريمة، فتبادر إلى ذهني ما سبق أن أحاطني به علماً ببعض الاتصالات التي أجراها معه أحد كبار المسؤولين و التي تضمنت تهديداً غير عادياً له، فطلبت منه بإلحاح شديد عدم السفر و البقاء لقضاء أيام العيد معنا و من بعد السفر معاً لإجراء عملية جراحية له في القولون التي قررها له أحد الدكاترة في لندن، وقال لي «المخاطر صحيح كثيرة ولكن هذا قدرنا و مصيرنا و سوف لن أموت إلا و أنا واقف على قدميَّ» و أصر على السفر و لم يكن قد مر الوقت الكافي لشراء ملابس العيد لأولاده، كان في جيبه مبلغ بسيط لا يتجاوز الألف درهم، و أنا في وداعه قلت له «يا أستاذ يحز في نفسي أنك ما اشتريت لأولادك أي ملابس للعيد، قال «هم يعرفوني بدون ذلك و هم بسطاء جداً ويقدرون ظروفي»، و قال أرجو أن أراك على أرض الوطن وإذا حدث لي شيء فأرجو الاهتمام بأولادي، هم يستمعون كلامك، تلك آخر الكلمات في مطار دبي.
إن الحديث عن ذكرياتي مع الأستاذ الشهيد جارالله عمر لا تسعها هذه السطور و لا حتى كتاب بأكمله و لكني أعد أني سوف أكتب ما استطعت عنها في القريب العاجل إن شاء الله و أكتفي هنا بالحديث عن ذكرياتي معه قبل وبعد أحداث 13 يناير في عدن.
لقد حدث انقسام في الرأي و الموقف في قيادة الجبهة إلى مؤيد و معارض للرئيس (علي ناصر محمد) و كنت أنا من الذين حددوا موقفهم إلى جانب الأخ الرئيس (علي ناصر محمد) و قبل الأحداث حاول البعض من الإخوة في قيادة الجبهة التأثير على الأخ الرئيس (علي ناصر محمد) كي يتخذ قراراً بتقليص صلاحياتي و دوري لكنه رفض ذلك.
و تفاجأت بوصول الأستاذ جارالله عمر إلى منزلي لزيارتي و لإبلاغي بأنه يعارض أي قرار سوف يتخذ ضدي و قال «قد نختلف اليوم و نتفق غداً، ونحن في الجبهة قوى متحالفة و لسنا جهات محاسبة كل للآخر، و لا يعني إذا اختلفنا في قضية معينة أن كل شيء انتهى، فتجمعنا روابط الأخوة والوطن».
و الكل يعرف بأن الأخ الأستاذ جارالله عمر كان قد بذل جهوداً كبيرة للحيلولة دون انفجار الوضع، و في اليوم الأول من يناير اتصل بي بعد اندلاع الأحداث بأقل من ساعة و أخبرني بأنه في المنصورة و طلب مني عدم إبلاغ أي شخص برقم تلفونه أو مكانه، و قال لي بأنه حاول الدخول إلى اللجنة المركزية و لكنه وجد الأبواب مقفلة و سمع دوي اشتباكات نارية بداخلها و رفض الحراس دخوله إليها و أنه وجد حراساً جدداً في بوابة اللجنة لم يكن يعرفهم أو يعرفونه، وكان دون حراسة و دون سيارته المعروفة.
كنت على تواصل معه و كان همه الأول و الأخير هو كيف يوقف إطلاق النار، و لقد توصلنا إلى شيئ من هذا و تكونت لجنة من كل من الأخ/ البطاني و الأخ/ سليمان ناصرمسعود و الأخ/ بن حسينون بمساعدة القائم بأعمال السفارة الروسية بعدن و الذي كانت تربطني به علاقة تعارف تمت في صنعاء و الكل يعرف بأن الشهيد جارالله عمر تحرك في كل موقع و مكان لإنقاذ حياة أناس كانوا مختلفين معه أو متفقين معه و دون تمييز، وكان منزلي في عدن يتواجد فيه أكثر من أربعين شخصية من الطرفين حرصت على الحفاظ على حياة الجميع و إيصال كل إلى مأمنه، و حينما اقتربت قوات عسكرية من منزلي لاقتحامه وفي اللحظات التي بدأ التراشق فيها حضر الأستاذ جارالله عمر و حال دون الاقتتال و أوقف كل شيئ و قال لهم أقتلوني قبله و فتشوا منزلي قبله وساعدني في إيصال من هم في منزلي كلاً إلى مأمنه، و في اليوم التالي كان يتوقع أن تحدث لي مشاكل كبيرة فوصل و قال لي «أنت اليوم معزوم على الغداء عندي» و ذهبنا إلى المنزل و لم نجد الأكل الذي كنا محرومين منه طوال أيام الأحداث فعرفت أنه عزمني شكلاً و لكن الأساس هو تجنيبي المخاطر، و قد قدم إلينا البعض من الناس بعض الطعام و نحن في بداية تناولنا الغداء وصله خبر أن مجموعة معرضة للخطر في لحج و ترك كل شيء و ذهب إلى لحج و أنقذ الجميع و قال كلمته المشهورة لكل الجنود والمقاتلين «نحن نريد شعباً آمناً مستقراً و ليس شعباً مشرداً» و حال دون اتساع دائرة الانتقامات و باشر بطرح المصالحة الوطنية عقب أحداث يناير مباشرة، و باشر بالاتصال بالأخ الرئيس/ علي ناصر محمد الذي تربطه معه علاقة طيبة وصلت في المرحلة الأخيرة إلى أرقى مستوياتها، هذا هو جارا لله عمر الإنسان المحاور و المحب للناس و الوطن.
و إن من أقدموا على التخطيط لاغتياله يتمنون اليوم بأنه لا يزال على قيد الحياة لإخراج البلاد من أزمتها بما كان لديه من قدرات على الحوار و الحكمة.
و ما أحب أن أقول لهم "اتقو الله في نفوسكم و في هذا الوطن و في رموزه وحكمائه و أما الأستاذ جارالله عمر فلا يزال حياً في نفوسنا و مشاعرنا و خالداً في تاريخنا بكل أفكاره وسلوكه و مكارم أخلاقه و لن ينساه شعب اليمن، فلقد تخلد في ذاكرته مدى الحياة.
وغداً إنشاء الله سوف يعاد التحقيق في اغتياله وتتبين الحقيقة على الملأ إن الله يمهل ولا يهمل.
:: ما هي الأوضاع الراهنة لتنظيم التصحيح الشعبي الناصري و ما هي علاقتكم مع المسمى الموجود بالمجلس الوطني للمعارضة؟
* بدأ تكوين تنظيم التصحيح في أواخر عام 1977 م و تم استكمال تكويناته في أواخر السبعينيات باسم جبهة التصحيح الديمقراطية و كانت جبهة التصحيح من ضمن القوى السياسية العاملة في إطار الجبهة الوطنية الديمقراطية و شاركنا في الحوار من أجل تحقيق قيام الوحدة و أجرينا الحوار مع الأخ الرئيس/ علي عبد الله صالح في محافظة تعز، و مع الأخ الأستاذ/ علي سالم البيض، و تم تمثيلنا في مجلس النواب اليمني الموحد، وبعد قيام الوحدة تحاورنا مع الأخ الأستاذ/ عبدالفتاح البصير نقيب المحامين و الدكتور/ فضل أبو غانم و معهم عدد من الإخوة الناصريين و كونا معاً تحالفاً جديداً تحت مسمى تنظيم التصحيح الشعبي الناصري.
ونجحنا في انتخابات عام 1993م في أن نكون من التنظيمات الممثلة في مجلس النواب المنتخب و بعد مدة قدما الاخوان الأستاذ/ عبدالفتاح البصير - الأمين العام المساعد - و الأخ الدكتور/ فضل أبو غانم - عضو قيادة التنظيم - استقالتيهما من التنظيم بروح سادتها القيم الأخلاقية الرفيعة المستوى و لم يسببا أي متاعب لنا على الإطلاق، وانسحب معهما العديد من الإخوة الناصريين حينذاك.
وفي الأيام الأولى للحرب هاجمت قوات عسكرية و أمنية منازلي في صنعاء و دكتها على رؤوس ساكنيها و جرح العديد من أفراد أسرتي بما فيهم أخي الأكبر، و زج بالجميع إلى السجون بجراحهم دون أي اعتبارات إنسانية و أخلاقية على الإطلاق، كما تم مهاجمة مقرات التنظيم و نهبت جميع وثائقه و ممتلكاته و أعلن عقب ذلك الأخ الأستاذ/ عبدالعزيز مقبل بأنه الأمين العام للتنظيم فيما فضل بعض الإخوة الحوار المباشر مع المؤتمر الشعبي العام للحزب الحاكم بحسب ظروف و إفرازات الحرب وبقي عدد كبير على عهده حتى الآن.
ونظراً لقيام السلطة عقب الحرب بفصل المئات من أعمالهم و توقيف مرتباتهم حتى اليوم و محاربة كل من ينتمي إلى التنظيم و تفكيك و تفريخ قواه، و لظروف الغربة و الظروف المالية القاهرة التي واجهتنا اضطررنا إلى تجميد نشاطنا العلني إلى حين، وعند العودة إن شاء الله سوف نتحاور مع الجميع إن سلمنا من متاعب السلطة التي لا تريد لأي تنظيم أو حزب سياسي أن يمضي إلى الأمام وان يمارس نشاطه السياسي و التنظيمي دون أي إيذاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.