أكتب هذا المقال وكلي أسى وأسف على بعض السقطات السلوكية التي قد تصدر من مسئولين كبار معوّل عليهم الكثير في رأب الصدع والمساهمة الفاعلة في إعادة ترتيب البيت اليمني على أساس من الأخلاق والنزاهة والتفاني التي تضمن طي صفحة الماضي والشروع في تسطير عهد جديد قوامه البناء والتنمية والتطور. أقول ذلك بعد أن وخزت فؤادي كلمات طالب في المعهد التقني والصناعي بمحافظة ذمار التي دوّنها في شكواه المرفوعة إلى وزير التعليم الفني والتدريب المهني وتضمّنت المناطقية البغيضة التي سطّرها لسان أكبر رأس بشري داخل المحافظة. ففي أعقاب المظاهرات الطلابية المطالبة بإقالة مدير عام مكتب التعليم الفني والتدريب المهني لفساده المالي والإداري التي حصلت على نسخة منها؛ قام يحيى العمري محافظ المحافظة بزيارة مفاجئة إلى المعهد، وكان المؤمل في هذه الزيارة أن يطّلع على حقيقة ما يجرى هناك، وعندما انبرى أحد الطلاب المكلف من زملائه للتخاطب مع المحافظ حول دوافع ثورة الطلاب والموظفين في المكتب ومرافقه المختلفة؛ قاطعه العميد العمري بالسؤال عن اسمه؟!. فأجاب الطالب بكل أدب: غمدان رشاد المقطري.. إلا أن الأمور لم تمر بسلام كما كان متوقعاً، فما أن تناهى إلى مسمع الزائر الكبير اسم العائلة “المقطري” حتى جنّ جنونه وثار غضبه ليجرج عن سياق الأدب وقواعد اللياقة المعهودة ويخاطب الطالب بلهجة حادة عامرة بالتعصب قائلاً: يا أصحاب تعز.. اخرجوا من ذمار، كفاية خربتوا تعز باقي تخربوا ذمار.. يا الله برع مابش لكم أمان؟!.. نعم لقد قالها الرجل.. قال كلمة الكفر بجرأة فائقة وهو في كامل قواه العقلية والنفسية، مدركاً تماماً الآثار السلبية الغائرة التي ستحدثها تلك الكلمات الجافة في نفوس الطلاب والمدرّسين الذين تدافعوا لاستقباله؛ لكنهم سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل لم تكن في حسبانهم البتة!. لذلك علينا أن نتوسل العذر للمطالبين بالتغيير الذين وقفوا لحظتها متبلدين من هول ما سمعوا من عبارات مقيتة عقدت ألسنتهم وتركتهم أجساداً متصلبة لا تقوى على شيء؛ بينما واصل المحافظ المبجل جولته في مباني المعهد المتناثرة ليكحل عينيه الزائغتين برؤية الإنجازات العظيمة التي تحسدنا عليها جميع دول العالم بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى وجه الخصوص صاحبة الشعر الأشقر هيلاري كلينتون التي لم تفقد الكثير من بريق محاسنها على الرغم من تقدمها في العمر!!. ويا غمدان لا تبتئس بما فعله العمري في حقك وحق زملائك الذين يشاطرونك الألم، فمعظم من تولوا أمرنا يفكرون بنفس الطريقة ويجمعهم الداء العضال نفسه، واعلم أن بكاء العم باسندوة تحت قبة البرلمان لم يأتِ من فراغ، وأن وراءه ما وراءه التي أقلّها ما رأته عيناك وسمعته أذنك.. إن التعصب الأعمى الذي ولد من رحم سياسة ولي الأمر هو من أوغر الصدور وأثخن الجراح، فلولا هذه السياسة الرعناء لما تفجرت حرب صيف 94م، ولما شاهدنا حراكاً جنوبياً، ولما شاركنا في تشييع آلاف القرابين البشرية الذين نُحروا في حروب صعدة الستة، تلك الحروب التي بدأت بلا هدف وانتهت بلا نتيجة!!. لقد أدهشنا العمري بفكرته الخبيثة التي لا تنساق مع الدعوات الانفصالية فحسب؛ بل تجاوزتها لتصل إلى مستوى استهداف تفكيك وتشظّي المحافظات الشمالية نفسها وتحويلها إلى إمارات منفصلة على غرار إمارة “طارق الذهب” في مدينة رداع.. يا سلام وبدلاً من أن “ندوّر على جرادة يطيرين عشر”. لو كان العمري على دراية كافية بمواد ونصوص قانون السلطة المحلية رقم 4 لعام 2000م لاكتشف أنه بموقفه المشين ذلك ومقولته العفنة التي أزكمت الأنوف قد ارتكب مخالفة سلوكية يعاقب عليها القانون. لذلك أدعو للاحتكام إلى القانون؛ باعتبار أن المحافظ العمري أقدم على إثارة النزعات الطائفية والمناطقية والعنصرية دون سبب وجيه سوى إرادته المبيتة في تمييع قضية مكتب التعليم الفني والتستر على الفساد والمفسدين.