يقول المهاتما غاندي: “... كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم” وفي أمثال بعض الشعوب، يقال: “إننا نحبو ونزحف قبل أن نمشي، ونتعلم العد والحساب قبل الجبر، ولذا يتحتم علينا أن نصلح أنفسنا قبل أن نتمكن من إصلاح الآخرين” ((أو أن نطلب منهم ذلك)). على عكس المتوقع، وقبل البدء، يمكن إيجاز القول في: أن “قاعدة عريضة من الناس والمجتمعات ترفض “فكرة” التغيير، خاصة عندما يأتي من “خارج” الذات، أو عندما تشعر أنه كان “مفروضاً” عليها، أكثر من تلك التي يمكن أن تتقبله أو تؤيده، بغض النظر عن الصواب أو الخطأ في “الفكرة” نفسها، ودون شك في مصداقية هذا الطرف أو ذاك، أو الطعن في “وطنيته” و“جغرافيته”. وهو الأمر الذي قد يبدو لكثيرين منا مناقضاً لمنطق صيرورة الأمور وطبيعتها، وربما قد يجده بعضنا مجافياً لما يتصوره “الفطرة السليمة” التواقة لخوض كل “جديد” والراغبة في “التجديد” وهذا لا يتعارض مع قناعتنا أو اعتقادنا أن التغيير يعد “أمراً حتمياً” ينسجم مع الفطرة الإنسانية الطبيعية، وأنه “سنة” من سنن الخلق والكون، نظراً لكونه دليلاً على عدم سكون الحياة، وبرهان على حيوية الإنسان والمجتمع. قد يستغرب بعض القراء إن قلنا: إن تجارب عديدة تاريخية ومعاصرة، محلية وإقليمية ودولية أثبتت أن طبيعة مواقف كثير من الأفراد والمجتمعات البشرية تجاه الإصلاح أو التغيير هي رفض التغيير لا قبوله، أو على الأقل عدم قبوله ((إلا ...)) بعد فترة من الممانعة والرفض والنقاش المستفيض، وبعد تجريب التعايش مع نتائج الفكرة أو المشروع الجديد الذي قد يثبت واقعياً صوابه ((أو ... لا)). ومع الأسف فهذا هو الحال مع كل دعوة أو مبادرة أو فكرة أو برنامج أو مشروع جديد يدعو إلى تغيير الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، وأحياناً حتى “الديني” وكما يقال: «إن لكل جديد رهبة». ورفض التغيير قد يعكس رغبة بعض الأفراد والمجتمعات في إبقاء الحال على ما هو عليه، وإعاقة كل نزوعٍ وتطلّعٍ مشروع نحو تغيير الأوضاع السياسية والمجتمعية، كما يبدو ظاهرياً ((أو ... لا)) حيث تتباين الأسباب التي قد تدفع بعض القوى السياسية والمجتمعية الوطنية إلى طرح فكرة “التغيير” أو رفضها، منها على سبيل المثال: “الخوف” على المصالح الآنية أو المستقبلية، لدى بعض الأفراد والقوى الاجتماعية والسياسية يقابلها “الرغبة” في نيلها لدى طرف آخر أو أطراف أخرى، وهذه مسألة طبيعية وواقعية و“بشرية” والشواهد التاريخية “كثيرة” تدل على ذلك. وأحياناً، قد يرتبط رفض التغيير بحكم “العادة” المرتبطة بالخوف الطبيعي من المجهول، وعدم الرغبة في خوض مغامرة “التغيير” إذ عندما يتعود الناس على وضع ما يصبح من الصعب عليهم تقبل أي تغيير في هذا الوضع، ويصير من قبيل المغامرة – في ظن كثيرين، بعيداً عن فكرة الصواب والخطأ، و“الظلم” و“العدالة”، التي تبقى مسألة نسبية قابلة للنقاش - تغيير الوضع القديم، والبحث عن وضع “آخر” قد لا يختلف كثيراً عن سابقه إن لم يكن “أسوأ” منه. وهذه المسألة في غاية الأهمية لفهم وتفسير مسلك كثير من الأطراف الاجتماعية والقوى السياسية التي ((لا)) ترى في المسألة أكثر من تغيير وضع قد يكون “سيئاً” بوضع قد يكون أقل أو أكثر “سوءاً”. كما قد يكون الرفض نابعاً من عدم قبول، أو ربما عدم استحسان بعض الأفراد والمجتمعات “الوسيلة” أو “الطريقة” المتبعة في طرح فكرة “التغيير” لا رفض الفكرة نفسها، خاصة إن لجأ الطرف الراغب في “التغيير” إلى استخدام العنف أو القوة لفرض آرائه على الآخرين، أو التخويف باستخدامهما ضدهم، حتى إن لم يكن في نيته تنفيذ ذلك حقاً، لأنه قد يوحي لكثيرين بعدم “الثقة” في حسن نواياه. وارتباطاً بذلك، قد يعود الأمر إلى غياب “البديل” المناسب، وهذه مسألة ترتبط ب “معتقدات” أو “تفضيلات” أو “قناعات” أو “تقاليد وأعراف” “فردية أو جماعية” من الصعب تغييرها بفترة زمنية وجيزة، عبر سن نصوص قانونية أو بفرض سلوكيات اجتماعية بديلة على الجميع، وقد ((لا)) يكون من السهل قبول فكرة التغيير داخل أي مجتمع من المجتمعات إذا غاب “البديل” الذي يحظى بثقة الجميع، ولو من باب المأثور الشعبي الذي يرى أن: “فاقد الشيء لا يعطيه”. أخي القارئ.. إذا أردت أن تصنع تغييراً في حياة الآخرين، أو في نمط حياتك فابدأ بنفسك وليس بوالديك أو أصدقائك أو أساتذتك أو محيطك القريب أو البعيد، لأن كل التغيير يبدأ من عندك، إنه ينبعث من “الداخل” إلى الخارج وليس من “الخارج” إلى الداخل. فما أحوجنا في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا، وفي هذا المخاض العسير أن نبدأ بالتفكير في تغيير أنفسنا، قبل أن نفكر في تغيير العالم من حولنا، وما أشد حاجتنا إلى التأمل في تجارب الآخرين، والاستفادة إيجابياً من خبراتهم، وتجنب عثراتهم وسقطاتهم، والتعلم من نجاحاتهم، بعدها من حقنا أن نطلب التغيير، وأن نحلم بالتطوير، وأن نمنّي النفس بتحقيق أكثر الأحلام مثالية، فهل يمكن أن نبدأ بتغيير أنفسنا قبل أن نطلب من الآخرين أن يتغيروا؟!. - قبل أن تبحث عن العذر لنفسك وتطلب من الآخرين قبوله، التمس الأعذار لغيرك. - لا تطلب من الآخرين الصمت ليسمعوك، لكن احرص أنت على سماع الآخرين. -لا تعترض على ما يناله الآخرون من مكاسب أو حقوق، واحرص على أن تنال حقك ومكاسبك. - بدلاً من أن تنتقد سلوكاً سيئاً وقع أمامك، اسلك سلوكاً حسناً علّك تدفع الآخرين لتقليده. - لا تنتقد وساخة المكان أو البيئة المحيطة بك، ولكن احرص على أن يبقى المكان نظيفاً، والبيئة آمنة من “هواياتك”. - إذا لم ترغب في أن تغرس شجرة، فتجنب أن تقتلع شجرة مغروسة من مكانها. - ليس مطلوباً منك أن تمسح الكتابات والأوساخ عن الجدران، لكن لا تكتب أنت على تلك الجدران. (*) جامعة إب