اهتم الحكماء والفلاسفة بالزمان كما اهتم القرآن الكريم في تنبيه العقل إلى الزمان في أكثر من موقع وأكثر من سورة، ففي سورة الكهف التي نقرأها كل جمعة تتحدث السورة بغاية الروعة وبأسلوب مدهش وجذاب عن الزمان والمكان باعتبارهما وعاء لحركة الحياة الدنيا، مؤكدة جريان هذا الزمان بسرعة مذهلة، مشيرة إلى ثبات الزمان الأخروي حيث قوانين الخلود التي يهفو إليها الإنسان بفطرته وروحه. نرى في سورة الكهف تكثيفاً لحقيقة الزمان الهارب من خلال سرد قصة أهل الكهف التي حملت أكثر من عبرة ورسالة، وخصوصاً في البحث عن الحرية ومصارعة الطغيان, سرعة يتحول فيها الزمان إلى (ومضة) خاطفة طال الزمان أم قصر لا فرق بين من يعيش مائة عام أو يوماً فكلها يوم أو بعض يوم (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا..) ومع هذا كان الإحساس بهذه القرون المتعاقبة لاشيء وما يشبه اللحظة (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم) وهو أمر يقارب الإحساس بالزمن في واقع الحياة وما عليك إلا أن تلتفت إلى عمرك الشارد لترى عشرات السنين عبارة عن (صفر) أو نقطة متلاشية الصغر خلف ظهرك، سرعة تجعل من الغد أمس ومن المستقبل ماضياً و(إنك ميت وإنهم ميتون)، على الأقل أنت لا تستطيع أن تمسك بذيول غدك أو يومك ولو للحظة.. ومع هذا فقد أكد القرآن في بداية سورة الكهف حقيقة الزمن الثابت والخالد (وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً, ماكثين فيه أبدا) حيث يقيم النعيم مع أبدية الزمان الذي لا يعرف الهروب ولا الغروب . .لقد لفت انتباهي قصة الزمان والمكان كوعاء لحركة الحياة في سورة الكهف وتقديمها لنماذج استثنائية استعصت على الفناء قروناً (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا) ليختتم بنموذج البعث والنشور وقد مثل (الكهف) نموذجاً للمكان الذي جرت فيه الحركة في زمان مذهل السرعة والجريان المتناهي إلى درجة (غمضة عين)، ليلتحق المكان والحركة في هذا الزمان الطائر نحو البعث والخلود بيقين المؤمنين(وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها....)جمعة مباركة.