تحولت المنطقة العربية إلى ساحة صراع دولية سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة، والعملية واضحة فبقدر ما كانت هذه المنطقة هدفاً للغزو المباشر من قبل فإنها اليوم ليست بعيدة عن هذا الغزو مع اختلاف الأساليب بما يُناسب المرحلة. اليوم يجري الحديث عن مخططات إيرانية وعن مشاريع يجري تنفيذها على الواقع في اليمن من خلال عملية سياسية واستخباراتية غير عادية...والحقيقة أن هذا الأمر لا يبدو غريباً ولا مفاجئاً فقد جاءت الشواهد مبكرة وربما أن البعض تعاطى معها بنوع من الاستخفاف لحسابات خاصة وسياسية. الخطير في هذا الموضوع هو أن إيران لا تسعى من خلال هذه المشاريع لإقامة علاقات طيبة مع هذا البلد بما يساعد على تجاوز الأزمات والمشكلات ويحافظ على وحدة وسيادة اليمن، لكنها في الجزء الذي اتضح من سياساتها تسعى لخلق نفوذ قوي يدخل في ميزان قواها في صراع مع أطراف إقليمية، وبالطبع هي تتحدث عن صراع ومواجهة مع إسرائيل والغرب في ظاهر الحال، وهو أمر يشوبه الكثير من الغموض بالنظر إلى تقاطعات المواقف والمصالح بينها وبين إسرائيل والغرب عموماً. هنا يمكننا القول: أن إيران عدلت جزئياً من استراتيجيتها وسياستها في سبيل تحقيق الهدف،حيث لم تقتصر على الورقة المذهبية وهي الورقة الكبرى في لعبة الصراع من أجل السيطرة والنفوذ، ولكنها وهذا هو الجديد سعت لاستقطاب جماعات وعناصر من إيديولوجيات أخرى لمساعدتها على تحقيق أهدافها،وهذه الخطوة بكل تأكيد كانت ذكية جداً، لأن الكثيرين لم يتوقعوا أن تمر المخططات من هذه البوابة، إلى أن جاء وصلت الأمور إلى مرحلة متقدمة، وربما أن ما لم يكشف بعد هو الأخطر، فالمسألة وفق هذه المشاريع والاستراتيجيات ليست سهلة ولا هي مرحلية، لكنها بعيدة المدى ومعقدة الأهداف. إيران في علاقتها مع الغرب الذي يغض الطرف عنها في سياساتها وفي برامجها العسكرية لا يمكنها خداع المراقبين بعداوتها للغرب، ولا الغرب يمكنه فعل ذلك، فالأمور صارت على مقربة من دائرة اليقين من وجود تحالفات إيرانية غربية ووجود تفاهمات على حساب المنطقة العربية. فيما يخص الدور الإيراني في اليمن وما تناقلته وسائل الإعلام عن مخططات قيد التنفيذ اعتبره من وجهة نظر شخصية نتيجة منطقية لفراغ كبير في جوانب عدة جاء من يستغله لمصلحته، فالمناخات التي شهدتها الجمهورية اليمنية منذ سنوات كانت مثالية وبالتالي لابد لمن يفكر بالسيطرة ومد النفوذ أن يحسن استغلال الفرصة للتواجد على الأرض. ومن المهم أن نشير إلى خطأ اقترفته دول الجوار اليمني عندما أعطت ظهرها لليمن وتركته في مواجهة أزمة اقتصادية وأزمات أخرى أنتجت وعياً وثقافة لم تدخل ضمنها حسابات المصلحة الداخلية ومصلحة دول الجوار جراء المشاريع الإيرانية، وهذا على الأقل عند الكثيرين ممن ارتموا في الحضن الإيراني لدواعٍ اقتصادية أو فكرية أو من باب النكاية بالجوار. عموماً.. إذا ظلت حالة الفراغ التي تشهدها المرحلة الراهنة وهي في أشدها الآن نتيجة الانشغال بقضايا أخرى فإن القادم من الأيام سيكشف عن خراب مالطا.