لا مسافة بين توفيق القباطي [أو توفيق الأكسر- الاسم الذي كتب به لفترة ] وقصائده. قصائده تعطينا فكرة تامة عن الجيل الثمانيني – الجيل الذي فرطت به الأفكار الكبرى- وهي قصائد فقدانات وجودية تضج بالصخب العاطفي: قصائد منسابة، سلسة، أليفة، لاتتخفف من هذه الأفكار، كما لاتخفت فيها الغنائية رغم تخرب إيقاع الحياة نفسه.. يتحرك توفيق كفراشة صعبة من مركز الدراسات الى منتدى التجمع، ومن المقهى الى الغرفة التي يسكنها. ولأن السياسة جالبة للمرارات، والضجر هو المتسيد على معظم الجهات والأشياء: تجده في أغلب الاوقات صامتاً لامبالياً، او يدندن بأغنية قديمة، أو يتشبث بنصف ابتسامة - فنخاف بالتأكيد من سقوطها الفجائي مثلاً. لفترة ظل توفيق ملك إبهار فضيع الغربة، وهو الساهي المشتعلة أعصابه بالحب ، كما انه الرومانسي المتألم: اتذكر الآن كيف انني ذات زمن، دونت قصيدة له- من مجلة في رصيف كانت تصدر في الثمانينيات- ثم بعد زمن قرأتها عليه، فوجدته يجاهد على الابتسام . قلت: انها قصيدتك ياتوفيق ، لكنه بكل سكينة وهدوء قال لي: اعرف، ولم يضف شيئا بالطبع، ثم غاب سريعاً في نهاية الشارع، لكأنه كان يكابد شيئاً ما رهيباً، أو شعورا مرعباً لايمكنني تخيله حتى الآن.. الحاصل ان تجربته الحياتية ظلت تعيش باتساق مشهود داخل الفلسفة والشعر معاً -حيث اعتنق اهم الافكار الفلسفية بعد ان درس الفلسفة- في حين تعد قصائده مهمة للغاية في تفسير التحولات التي طرأت على القصيدة اليمنية منذ عقود. قصيدته “عام سعيد يارنا” – على سبيل المثال - ظلت تنتشر بإفراط على مدى عقدين.. فيما وحدها الاغاني من تفجر المكبوت الذي في توفيق برأيي، إذ حينما أبدأ الغناء في حضرته ، لايفارقه الشغف ، كما تبلغ ذروته أقاصيها. توفيق الذي هام كثيرا خارج القوانين ، وأعلن في وجه طيشنا أن لافائدة: جعلته عاطفته الشفافة يعاني كثيراً على المستويين النفسي والجسدي ، حتى انه عاش لفترة حياة صعبة جداً، تجاوزها بالافكار والشعر. توفيق القباطي صديقي المتعدد الذي يفضل العيش وحيداً – في ظل دأبه الخصوصي على المحبة وعلى الموسيقى وعلى الذكريات وعلى القصيدة ايضاً - لكأنما يفسرنا بطلاقة في المرآة الجمعية لروحه هكذا: روحه العصية على التشوه ، روحه التي تطببنا باقتدار تام رغم انها كجرح فاغر. [email protected]