وزير إصلاحي الجنوب لا يمكن أن يتوحد مع نظام امامي في صنعاء    مصر تحصل على عدد من راجمات صواريخ WS-2 بمدي 400 كم    منجز عظيم خانه الكثير    سبب انزعاجا للانتقالي ...الكشف عن سر ظهور الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى الوحدة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    اتالانتا بطلا الدوري الاوروبي لكرة القدم عقب تخطي ليفركوزن    بمناسبة يوم الوحدة المغدور بها... كلمة لا بد منها    السفارة اليمنية في الأردن تحتفل بعيد الوحدة    سموم الحوثيين تقتل براءة الطفولة: 200 طفل ضحايا تشوه خلقي    الكشف عن القيادي الحوثي المسؤول عن إغراق السوق اليمني بالمبيدات المحظورة    حقيقة افلاس اكبر البنوك في صنعاء    في سماء محافظة الجوف.. حكاية سقوط حوثي.    "أهل شرعب أرق قلوباً و حسين الحوثي إمام بدعوة النبي إبراهيم"؟" حوثيين يحرفون احاديث الرسول وناشطون يسخرون منهم (فيديو)    ساعة صفر تقترب: رسالة قوية من الرياض للحوثيين    أول تعليق حوثي على إعلان أمريكا امتلاك الحوثيين أسلحة تصل إلى البحر الأبيض المتوسط    محاولا اغتصابها...مشرف حوثي يعتدي على امرأة ويشعل غضب تعز    قيادي انتقالي: تجربة الوحدة بين الجنوب واليمن نكبة حقيقية لشعب الجنوب    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل تقر تعديلات على لائحة إنشاء وتنظيم مكاتب التشغيل الخاصة    بيب يُعزّز مكانته كأحد أعظم مدربيّ العالم بِحصوله على جائزة أفضل مدربٍ في الدوري الإنجليزي!    رئيس انتقالي لحج يتفقد مستوى النظافة في مدينة الحوطة ويوجه بتنفيذ حملة نظافة طارئة    إجتماعات عسكرية لدول الخليج والولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض مميز    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    الهجري يتلقى التعازي في وفاة والده من محافظي محافظات    سيلفا: الصدارة هدفنا الدائم في الدوري الانكليزي    مفاوضات إيجابية بين بايرن ميونخ وخليفة توخيل    اليابان تسجل عجزاً تجارياً بلغ 3 مليارات دولار    الحكومة اليمنية ترحب بقرار إسبانيا والنرويج وايرلندا الإعتراف بدولة فلسطين مميز    رونالدو على رأس قائمة منتخب البرتغال في بطولة أمم أوروبا    نافذون حوثيون يسطون على مقبرة في بعدان شرق محافظة إب    انقلاب حافلة محملة بالركاب جنوبي اليمن وإصابة عدد منهم.. وتدخل عاجل ل''درع الوطن''    أغادير تستضيف الملتقى الأفريقي المغربي الأول للطب الرياضي    إعدام رجل وامرأة في مارب.. والكشف عن التهمة الموجهة ضدهما (الأسماء)    اعلان القائمة الموسعة لمنتخب الشباب بدون عادل عباس    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن وأهل اليمن
أربعون زيارة وألف حكاية ورواية
نشر في الجمهورية يوم 06 - 08 - 2008


الحوار الاخير مع البردوني
كنت أهجع دوما الى اديب وشاعر اليمن الكبير المرحوم عبد الله البردوني كلما قدر لي زيارة صنعاء ، اذ كانت له بصيرة ناقدة – وهو الضرير – فيما كانت تشهده اليمن تباعا من تطورات وأحداث ، ولم يكن الحوار معه في دروب الأدب والسياسة وتاريخ الفلسفة فحسب، بل كان الحديث بيننا يطرق في ود وألفة أبواب الخصوصيات المتبادلة .
مجلة “المنار” المصرية تدعو للرأسماليين
قلت : كيف ترى مصداقية الدعوة الاسلامية في ضوء اعتماد بعض الجماعات لاساليب العنف والارهاب بدعوى ان الغاية لاقامة الدولة الاسلامية تبرر مثل هذه الوسائل؟
قال :قطع الاسلام اميالا من الفتوحات الاسلامية التي امتدت الى الصين واوربا عدلا ونورا وحضارة.
وحتى وصلنا الى ما وصلنا اليه في تاريخنا العربي المعاصر عندما انخدع بعض المسلمين بدعوات شيوعية ومن والاها من الافكار اليسارية وانخدع بها فئات من المثقفين والقادة العرب وبدأوا يعادون الاسلام .
بينما كان الفريق الاخر يستخدم الاسلام مطية وسلاحا لمحاربة الشيوعية والافكار اليسارية المتطرفة ، مجلة المنار المصرية على سبيل المثال ظلت تشيد بالرأسمالية الغربية وكانت تراها حامية من الغزو الاحمر الذي تتزعمه موسكو ، والمسألة الثانية وهي ذات جذور حية الان وقد بدأت باحتلال فلسطين عبر العقيدة التوراتية والتعصب اليهودي ، وجاء ما يسمى بالاحوال العامة الدولية التي خضع لها الحكام العرب دون ان يواجهوا الخطر بنفس الاسلوب عبر التمسك بالعقيدة الاسلامية والتعصب للقومية العربية في المقابل .
هذا الخلط وهذا الاستيراد للافكار والعقائد الاوربية الشرقية والغربية ، مع الفشل في تبني مشروعات للتغيير والنهوض وحل مشكلات المجتمع ، كان الطريق ممهدا والمناخ ملائما لظهور الحركات الاسلامية الحديثة بجماعتها المختلفة وتياراتها المتباينة .. والمشكلة في تقديري ان بعضها يتسرع الوصول الى الحكم عبر وسائل غير اسلامية .قلت : اذاً تؤكد على ان ظاهرة التطرف والارهاب ليست اصيلة في الاسلام ؟
قال : لا ..القتل والقصاص في الاسلام لثلاثة .. كفر بعد ايمان والزنا بعد احصان والقتل عمداً وعدواناً. لكن تغيير النظام بالقوة لا .. اذ يجب طاعة الحاكم الذي تتوافر فيه شروط البيعة الصحيحة .. وما دام يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله لا يجوز قتله دينيا ..
قلت : فيما يبدو ان الاسلام تعرض لموجات من التداخل والاختراقات الفلسفية المادية.. وانه في مسيس الحاجة الى تنقيته من هذا التأثير الضار؟
قال : الاسلاميون عرفوا مبكرا خطورة هذا الترتيب غير الحقيقي لاوضاع الشريعة والفلسفة الغربية .. اذ بينما كان فلاسفة الشرق يكتبون تلفيقاً وتوفيقاً بينهما ، كانت الفلسفة قد صبغت – بعد الميلاد – بالروحية المسيحية ، الامر الذي فتح الابواب في اوروبا امام شرعية الاسلام وفلاسفته الى حين ، حيث ساد اعتقاد بأنه ما دام الكتاب مبدوءا بسم الله فهو كتاب اسلامي ، وفي فترات التعطل واضطراب السلطة ظهرت إلحادية لابي علاء المعري ولم يكن يعاقب عليها انذاك ، لان جماعة الاسماعيلية والجعفرية اذا تعطلوا سياسيا فما تعطلوا اجتماعيا وكانما محمي بهؤلاء ، كذلك احبت الطوائف كلها الفكرة فيقولون ان الفلسفة انتهت كلها بابن رشد .. لا في الحقيقة انها التوت وتغير مسارها .. وابوحامد الغزالي اسكت كل التفلسف وكان هناك اجماع ان العقل محدود وان ارادة الانسان مقيدة ، ابن رشد هو الذي قال الغزالي كان الشوط الاول تلاه الشوط الثاني بعد قرنين عبر ابن سيمية الذي كان يطوف بالجامع ويحرم السير الشعبية مثل سيرة عنترة بن شداد .. باعتبارها ضربا من الخيال بينما الكتاب والسنة جامعة لكل الحقائق ومن صنع حكيم عليم .
كاد القهوجي يفتك بي
قلت : لكن الفلسفة الاسلامية بعد ذلك خاضت غمار متغيرات تاريخية بعد ذلك.. والسؤال اذاً عن مصداقيتها في ضوء ثوابت العقيدة ؟
قال : تعلم ان الطبري رضوان الله عليه تظاهروا ضده ووقعت معارك فكرية حادة لانه لم يؤرخ لاحمد بن حنبل ، ثم وقعت معارك الغزوات الصليبية والتاتارية في ظل ظروف التعصب .. فيما ادى سقوط الخلافة في تركيا الى نشأة تنظيمين اسلاميين في ضوء غلبة العقيدة اليهودية التي احتلت فلسطين وانتصرت على كل العرب ..
وهنا يقول الداعية والمفكر الاسلامي راشد الغنوشي ان الدين اوصل اليهود الى فلسطين وما كان لهم النصر بينما العلم الذي استقيناه من الغرب لم يمنحنا الا الهزائم .. القضية اذاً ترجع الى كفاءة الحكومات ومدى استنارتها وتبعيتها وايمانها بان السلام البديل الصحيح للمستورد من الافكار والمناهج التي لم تصلح حالنا او العكس .. بينما نلاحظ ان المسيحية اخذت من الاسلام فكرة العدل الاجتماعي وان الحكم بين الناس شورى وبالتساوي، الاسلام فيه ما يسمى بالمصلحة العامة والمصلحة المرسلة وهذه كلها يعرفها الحاكم ، اذا كان هناك مصلحة عامة في الاشتراكية مثلا يآمر بها .. واذكر انني كنت في مصر عام 88 خلال شهر رمضان وكان هناك من يعترض على ان يستغل شهر رمضان في الاباحة التجارية ..
الى حد أن جماعة الاخوان المسلمين اعلنت انذاك عن صلب كل من يدخل للافطار في المطاعم نهارا .. وكنت قد خرجت من عيادة احد الاطباء ودخلت الى المقهى وتناولت جرعة من الماء حتى كاد القهوجي ان يفتك بي .. وقلت له روح اقتل الدكتورة التي اباحت لنا الافطار.. وقال الاسلام يطهر المعدة بالصيام طول العام .. فقلت له هذا كلام غناء والله يقول:”ومن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” .. الاسلام اذاً يبيح الافطار عندما تكون على سفر او تخاف ان تقع في الضرر والا فانت منتحر .. مشكلة بعض الجماعات الاسلامية في الخلط او عدم التعمق في الدين او الاستئثار بالتفسير واتهام غيرهم من المسلمين بالباطل .. والامر كله يحتاج الى فتح اوسع الابواب امام الاجتهاد وتنقية الاسلام من الخرافات والاباطيل .. وان يعرف الحكام ان الدين الاسلامي وسع كل شيء علما .. وهم ان لم يتدخلوا في شئون الدعوة او يحرضوا على تغيره على هواهم فذلك فيه صلاح الرعية والاستقرار والعدل وما لقيصر لقيصر وما لله لله !
الشاعر هو مؤرخ الزمان من الداخل
غالبا ما تأتي إجابات الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني “موسوعية” ، حتى لو كان السؤال حول معلومة محددة ، حيث يترك لفكره العنان محلقا في كل ما يتعلق بالموضوع من حواش وتدخلات معرفية متشعبة ، وتلك من أبرز سماته كأستاذ ومعلم ملتزم بتثقيف تلاميذه وتنوير قرائه ..
وهكذا عندما ذهبت اليه في منزله بصنعاء كنت احمل شريطاً واحداً للتسجيل مدته ساعة ، فاذا بالحوار معه ذي شجون وتداعياته شتى غير متوقعة حتى بادر احد تلاميذه متطوعا للبحث عن دكان مفتوح في الهزيع الاول من الليل ليبتاع منه شرائط اضافية للتسجيل..
قلت للاستاذ البردوني : غاب الادب اليمني عن المكتبة العربية زهاء قرن من العزلة حتى اندلعت الثورة في 26 سبتمبر 1962 وسرعان ما تألقت اسماء الادباء والشعراء اليمنيين.. اين ترى مكانتهم على ساحة الادب العربي ؟
قال : رغم ان الادب اليمني الحديث اصبح يعج بالشعراء وكاتبي القصة .. الا انه يظل هناك تفاوت بين الادب اليمني والمدارس الادبية الحديثة .. حيث لا يزال هذا التفاوت ملحوظا بين الادب اليمني ومستويات الزخم والتنوع والعطاء الذي تشهده في الادب المصري والسوري والعراقي واللبناني .. بل واعتقد ان امام الادب اليمني مسافة عشر سنوات حتي يلحق بالادب السعودي والخليجي بوجه عام الذي يشهد خطوات تحديثية تستحق التامل والدراسة ، على ان الادب اليمني في مجال الشعر حقق اشواطا مقدرة في دروب الحداثة منذ الاربعينات أي قبل اندلاع الثورة ، كونه ارفع فنون الادب اليمني واكثرها عراقة في التاريخ، سواء الشعر العربي الفصيح او الشعبي العامي اللهجة وما يزال الشعر يملك ناصية الساحة الادبية في اليمن لانه ينتقل بالحفظ والانشاد من مكان لاخر .. بينما تحتاج القصة او الرواية الى ان يصل للجمهور عبر فنون اخرى مساعدة والى مسرحة المجتمع اليمني اولا ، اذ يستحيل قيام نهضة مسرحية بدون جمهور يتذوق فن المسرح .
الزبيري ابو الاحرار
قلت : كيف يرى الاستاذ البردوني الشاعر والاديب والكاتب والمفكر والمؤرخ نفسه اكثر انسجاما وعطاء ؟
قال : في الشعر وكل اعمالي خارج الشعر وظيفية ولا اشتهي لها الا ان تكون كذلك!
قلت : لكن من خلال متابعاتي لنشاطاتك وابداعاتك الاحظ ارتباطك بالواقع اليمني والحركة السياسية .. هل الان المقال اكثر قولا وشيوعا من الشعر ؟ قال : ربما لان ادباء اليمن المعاصرين ارتبطوا بالحركة الوطنية حيث كانت القضية المركزية تكمن في حتميات الثورة والتغيير فكانت السياسة الاغلب تأثيرا على ابداعاتهم الادبية وفي مقدمتهم الشاعر الكبير الشهيد محمد محمود الزبيري ابو الاحرار .
قلت : وربما لذلك كان عطاؤك في ميدان الصحافة يفوق عطاءك الشعري؟
قال : هذا ما يبدو لقارئي الصحف .. لكن قارئ الشعر يعرف انني صاحب احد عشر ديوانا.. بينما ما الفته لا يتعدى سبعة كتب ، وذلك ان الكتابة بالضرورة تقتضي الاحداث وتتلمس نظائرها من وقائع الحاضر اليومي وتاريخ اليمن وموقعه من التاريخ الانساني كله ، لكن القصيدة وليدة لحظات تفعل المشاعر وتستدعي ما يؤكد حرفتي للشعر الذي اجد فيه نفسي فيه اكثر من غيره ان دواويني طويلة بالنسبة للدواوين المعاصرة .
وقصائدي الاخيرة اتسمت كذلك بالطول بالقياس الى شعر السبعينات .
قلت : المتابع لعطائك الغزير في شتى دروب الادب والكتابة يخيل اليه انك تجسد اكثر من بردوني واحد .. كيف اذاً تمارس حياتك وتنظم اوقات ابداعاتك ولماذا تعنى بالتفاصيل كأنك تكتب للعامة قبل الصفوة ؟
قال : نشأتي الثقافية جاءت مبكرة مع انتظامي في التعليم الابتدائي حيث كانت وسيلتي لنهل العلم الفقهي والثقافة العامة عبر السمع فحسب ، بعدها دخلت دار العلوم صنعاء ، ثم عدت استاذا في هذه الدار وكاتبا في الاذاعة الى جانب كتاباتي الخاصة ، اما ان اخصص وقتا للكتابة ووقتا لكذا وكذا فهذا لم يحدث قط لان القراءة بالنسبة لي في حالة استمرار حتى في الصمت وهذا ما جعل اوقاتي اطول واكثر ثراء من المبصرين غيري ، طبعا عندما تخرجت من الابتدائية كان لي زملاء وكنا نقرأ ما تلقيناه من دروس ، وكانت لنا طريقة خاصة في مراجعة الدروس من خلال قراءة ما سوف نقرأه غدا من المقرر ، كان زملائي عشرة تجمعنا اهتمامات ثقافية وفكرية مشتركة .. فلا يقرأ احدنا كتابا في غيبة الاخرين ، اما استغراقي في التفاصيل فتلك خاصية ذاتية لازمتني منذ رحلة التلقي عن اساتذتي خلال النشأة الدراسية والثقافية المبكرة..فكانت الموسوعية التي يعني بها النقاد .
قلت : ودأبك على الجدلية في كتاباتك ؟
قال : هناك كتابتان .. السياسية والادبية وهناك الكتابة الشعبية التي جسدتها في كتابي”فنون الادب الشعبي في اليمن” والثاني “الثقافة اليمنية” فاليمن منجم للهجات اللغة العربية كما في المهرة وسوقطرة لكن في كتابي “اليمن الجمهوري” عنيت بتاريخ نشأة الافكار التي شكلت المذاهب ، وبالمذاهب التي احدثت جدلها خصوصا وانها تميز اليمن عن سائر اقاليم الجزيرة العربية .. اعني الملوك وعلماء الفقه وعلماء الحديث وعلماء البلاغة وعلماء الشعر..وهؤلاء مع ابناء القحطانيين اوجدوا حركة جدلية مستمرة اصبحت تراثا يمنياً خاصا..والحركة الوطنية الحديثة نهضت على اساس من الجدل الفقهي والجدل البياني.. وهذا تحول بدوره الى جدل سياسي ، واليمن عموما تدين تاريخ الائمة باحتكار السلطة بحجة انه لاشيء غير الامام ظل الله في الارض .. لكن هناك فترة حكمت فيها الامامة كانوا خلالها مقبولين من الشعب وكانوا يحكمون اليمن في فترة واحدة تتعاقب خلالها ثلاثة انظمة .. نظام الهادي في صعده ونظام الزياديين في تهامة ونظام اليعفوريين في صنعاء .. اما ما مكن للاسرة الواحدة ان تتوارث الحكم فلأن الامامة كانت تقوم انذاك على اساس الثقافة والاستنارة والعدل .
ويتواصل اللقاء ويمتد الحوار مع الشاعر الكبير عبد الله البردوني و..قلت : اذا طالبتك ان تعرف بنجوم الادب اليمني فماذا تقول ؟
قال : في الحقيقة ان الذي ينهض الى هذه المهمة لابد ان يحدد معايير الاختيار ، طبعا بالمقياس العام للشعر العربي المعاصر ومقدار التجارب ، هناك على سبيل المثال عبد الودود سيف وعبد الرحمن فخري ويحيى البشاري وهؤلاء شعراء مجددون ومتميزون .. لكنهم مقلون.. اما د.عبد العزيز المقالح فهو الذي تمكن من اصدار دواوينه على التوالي ، وفي الحقيقة ان ادباء اليمن كانت ثقافاتهم وابداعاتهم انعكاسا لواقع اليمن ، لكنهم في مجموعهم مثلوا بشكل عام الثقافة العربية اكثر مما مثلوا المجتمع اليمني كنوع من الارستقراطية .. لكن الشعب اليمني بما له من امثال وحكايات واساطير شعبية كان اكثر من ادبائه تعبيرا عن واقع حاله وتراثه وشخصيته .
سألته : عن علاقته بالدكتور عبد العزيز المقالح ؟
وقال : هناك من يحاول الوقيعة بيننا كما حدث للعلاقة بين احمد شوقي وحافظ ابراهيم، بينما ربطتني بالمقالح صلات حميمة ووشائج ثقافية وحوارات نقدية منذ زمن بعيد ولا تزال !
رحيل الشاعر عبد الصبور
قلت : كيف تفسر تراجع مدرسة الشعر الحديث بعد رحيل صلاح عبد الصبور وامل دنقل وغيرهما من الرواد .. هل لان الشعر الحديث كان وثيق الصلة بالمد القومي الذي افل نجمه او انحسر عنه ؟
قال : لا .. اذ في الحقيقة ان حركة الشعر جزء لا يتجزأ من التحرك العام وبينها حركة الشارع السياسي وتاثره بتتابع الانقلابات الايدلوجية وتبني افكار القومية والاشتراكية واليسارية والاسلامية وانا ضد وصف فلان بالرائد .. انما الاكثر دقة ان المجتمع كله رائد..لانه اذا كان اختلاف النغمة مطلوبا .. فإن النغمة الاولى افلست الى حدود ، فاضطر المجتمع الى ابتكار نغمات جديدة في الشعر وفي الموسيقى والى الوان وتشكيل مختلف في الصورة ، المجتمع هو الذي طلب هذا الجديد وليست بالقضية هي التأثر بأوروبا او بغيرها.
قلت :هل افل نجم مدرسة الشعر الحديث اذاً ؟
قال : في الحقيقة ما افل ولا افل نجم هؤلاء الشعراء الذين ابدعوا هذه الدواوين وما زال عبد الصبور ومدرسته باقية ومستمرة في عطائها ، والذي يكتب له الخلود هو ما يفيد الناس ويستروحون فيه ابداعا متميزا وما يضطر الباحث الى الرجوع اليه .. الشعر الضروري هو الذي يكتب له البقاء ولكن الشعري الكمالي لا يقتنيه الا المترفون . .قلت : لماذا انحسرت الممارسات النقدية التي كانت تبشر بالمبدعين والابداعات الجديدة وتفسرها .. هل لان المشكلة في عدم توافر النقاد المؤهلين لهذه المهمة ام لانصراف النقاد الى اعمال تدر عليهم دخلا ماديا اكثر ؟
قال : كل هذه الاسباب مجتمعة صحيحة ، لكن ليس معنى ذلك انه لم يعد لدينا نقاد مؤهلون او لانهم فقدوا دورهم .. او لانه لم يعد امامهم مجال للنشر والاهتمام حتى يدلوا من خلاله بدلوهم ، المشكلة ان هناك مئات البيوت والحارات في كل حي عربي لم تعد تتابع الادب والثقافة بعد ان جذبتها المسلسلات التليفزيونية التي شكلت كما يقولون واحدة من عناصر ازمة الثقافة الا انني ارى غير ذلك .. فمهما بلغت الحضارة ذروتها .. تظل الاجادة والاصالة في أي شكل من الثقافة والفنون هي الباقية .
قلت : لماذا اذاً اختفى النقاد العمالقة بعد رحيل الدكتور محمد مندور والمازني والعقاد وانور المعداوي ؟
قال : هؤلاء وغيرهم من النقاد العمالقة مثل الناعوري ومارون عبود وعبد الجبار المصري .. وغيرهم من الناشئة القائمة من النقاد بارت تجارتهم في عالم النقد بعد ان دخل السوق شعراء وادباء لا يتسابقون على الاجادة وبالاخص في مصر جريا وراء الشهرة والمال.. وفي اليمن لا اظن ان ادباءها وشعراءها تأثروا بعد باغراءات او متغيرات مماثلة لعصر افلام ومسلسلات تليفزيونية تجذب المبدع والمتلقي بعيدا عن الاجادة والثقافة الجادة .
قلت : هل تتفق مع المثل الشعبي الدارج في مصر “الانصاص قامت والقوالب نامت” بمعنى ان عصر العمالقة انتهى ليبدأ عصر الانماط المتشابهة ؟
قال : هؤلاء العمالقة تفرغوا للتثقيف الذاتي والابداع المتميز في زمن الهدوء وقبل زمن القلق ، فاستطاعوا ان يستوعبوا معارفهم ومعارف عصورهم ومعارف العالم كله في زمن خاص وفي ظروف تقبل النمو ، وكان لديهم في الاصل قابلية للنمو والتحدي وفعلا شيء غريب ان تجد طه حسين في هذا الزمن يكتب عن الادب اليوناني والعقاد يكتب عن هتلر وشكسبير وعن سعد زغلول وعمر بن الخطاب ، هذه الموسوعية تأتي في زمان السياسات الكبرى ، فماذا ننتظر في زمان الردة والانحطاط سوى ان تقف الانصاص وتسود الانماط المتشابهة وان تنام القوالب .
فلسفة عربية خاصة
قلت : هل تعتقد ان لدى العرب فلسفة خاصة ومتميزة .. وما هي ابرز ملامحها ؟
قال : في الحقيقة الفلسفة العربية لها ملامح خاصة ومتميزة بما تحمله من تفكير عربي ولغة عربية ثم ان طبع الفلسفة العربية طبع هام ، بمعنى اقترانها بالانتاج وبالعمل في المعامل ، مثلا ابن الهيثم كان يصنع نظارات اصبح مهندسا بصريا عن طريق الفلسفة ، وكان الطبيب الذي عالج اخطر الامراض فليسوفا مثل ابن سينا وابن النفيس ، وفي العصر الحديث كان لدينا فلسفة من نوعين الفلسفة الدينية والفلسفة السياسية وهي بدأت مع التحولات منذ بدء التوفيق بين الشريعة والحكمة .. والفلسفة العربية تتميز بالجمع بين النقيضين او ما يمكن ان ياتلف .
قلت : هل هي فلسفة خاصة ؟
قال : نعم عندنا فلسفة خاصة وهذه واضحة حتى في التعبير العادي وفلسفتنا الان اكثر مادية بينما الفلسفة المثالية الخالصة كانت عند الغزالي والفلسفة العربية المعاصرة تجمع بين المادة والمثالية كجناحي طائرة ، واظن ان زكي نجيب محمود كان علمانيا متفلسفا اكثر منه فليسوفا مطلقا !
وكان الوقت قد اقترب من منتصف الليل بينما كان الاستاذ عبد الله البردوني في قمة اليقظة .. وكان عليّ ان ارحل ادبا ومراعاة لظروفه .
يرحم الله شاعرنا ومفكرنا الكبير وأسفا على زمانه الجميل !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.