مرةً قلتُ للنهر: غيّر مجراكَ.. ومضيت... وبعد سنواتٍ قال لي النهر: غيّر داركَ.. ومضى.. وبعد آهتين كنتُ أستحمّ في الصقيع بغير إرادتي.. وأحلمُ بالعري وحدي جوار المدفأة؛ لأستعيدَ بعض طفولتي التي لم تجفّ بعد على أسلاك الحيلة. لكن إرادتي كانت تسبقني هناك في أكوام داري المتكوّم..المتناثر أمام عيوني المريضة بالحلم.. وحده إناء الفخّار كان يطفو على الماء حاملاً في جوفه بقايا قصيدة تحاول الاكتمال.. وقطرة حظّ. والنهر يمضي متجاوزاً صخور النهارات الموحشة.. يضاجعها بهلوساته الخضراء.. تاركاً للحمقى من سارقي الحقول نكبة الارتطام على زئبق القفز في الساعة القاتمة. ها هو الموعد قاب وجعين وفرحين وأدنى من انكساراتٍ وانفراجاتٍ وصراخٍ وهدأةٍ مريبة، لا ندري ماذا تحمل ساعاتها القادمة؟.. لكنها أرحم من نوايا العبث وهي تطوّق المسافات ألواناً حمراء قاتمة رسمتها الأقدار؛ نكايةً بفطرة الإنسان وهو يحمي نسله من انقراض المبادئ والأخلاق والسمو، وما تبقى من ضميرٍ نعوّلُ عليه آمالنا الكسيحة، وهي تتعثر في نتوءات الأفكار الكاسحة لمنظومة الأمان. واليوم ونحن نمضغ خفايا الكلام وزخرف القول ورنين السقوط بشقيه العقليّ والمصيريّ.. لا أجد من سنابل الأمل إلا ما أسقطته النفوس في دائرة الوجل؛ لتثمر تربة الوفاق لما تبقى من خطوةٍ وأمل. والخطوات بقدر ما هي مُثقلة بالهواجس والمتارس جنباً إلى جنب.. فإنها متقدة بالأمل، حتى وهي تنأى عن صيرورة الفجر الكاذب، وهو يمتد في حقول الأحلام سنيناً من وعودٍ وتضحياتٍ من ورق الانتشاء. ومع ذلك نفتح أعيننا عن آخرها لنحدّق في الآتي بإيمانٍ كبيرٍ وعزمٍ يتجاوز شوائب الماضي ورجفة الدنانير المتناثرة في بلاط الحلم.. وقلوبنا تهتف: كل فجرٍ مرّ فجرٌ كاذبٌ... فمتى يأتي الذي لا يكذبُ؟!