يتمنى صالح العودة إلى السياسة من الباب الضيق عبر حزب المؤتمر، والحقيقة أن كل الأبواب موصدة دونه إلا باب المحكمة, ولعله استمع بحسرة إلى أنباء فوز بوتين بالانتخابات الروسية، ويتمنى لو حلّ مكانه رئيساً لروسيا أو لو استطاع استبدال الشعب اليمني بالشعب الروسي، وهو يظن بأن بوتين الرئيس السابق خرج من القصر، واستطاع العودة إليه، ليس أحنك منه ولا أكثر شطارة، وهذا ما دفعني لكتابة هذه المقارنة، لعل صالح يريحنا من خطاباته المقرفة، والتي لم يعد يهتم بها سوى الباحثين في علم النفس. كم هو ممتع أن تعود إلى بيت الزوجية بعقد جديد, ورحم الله ميدفيدف الذي جمع بين حبيبين بالحلال, وأقول بالحلال؛ لأن بوتين اتبع الطريقة الإسلامية، رغم أنه غير مسلم، واستخدم صديقه ميدفيدف كمحلل للرئاسة, ولم يكن ميدفيدف مراوغاً ك “عادل إمام” الذي لعبت به نفسه عندما استأجره شخص ليحلل له زوجته المطلقة دون رضاه, وأراد عادل إمام الاحتفاظ بالزوجة، ولكن عريسها السابق له بالمرصاد - كما يترصد صالح الآن للرئيس هادي - ينتظر طلوع الشمس لاستعادة من يظنها حقه, سيناريو دامٍ مشحون بتقلبات أحوال الصداقة واحتمالات الخيانة, وهذا ما يخشاه صالح. يخشى صالح الخيانة من صديقه الهادئ، ويتمنى لو يفعلها الرجل ويعيد إليه السلطة بعد تحليلها بالفترة الانتقالية, ولكن العرس الانتخابي كان كبيراً وسمع به كل العالم، وهنا لا يستطيع بن هادي أن يتراجع أو يسمح لصالح مراودة السلطة التي لا تليق بمثله, فالرئيس هادي ليس عريساً مستأجراً بل هو عريس حقيقي وأنيق ومرتب وصاحب ثلاث لغات وشهادة عليا, ويحظى بثقة الجميع حتى الذين لم يشاركوا التصويت له, وخلال أقل من شهر أصبحت مطمئناً على المستقبل السياسي للبلد، خصوصاً بعد رفض هادي استقبال المقربين من صالح أمثال الصوفي؛ لأنه ملوث بالفساد ومتورط في جرائم, فهل يعي صالح أن المستقبل السياسي لم يعد لأمثاله ولم يعد متاحاً لأصهاره وأقاربه ومتزلفيه, فالحجر الصحي يؤتي ثماره ولم يبق الكثير لنسمع خبر إقالة أحمد علي الذي أصبح “وحيد الأسرة”، وأملها الوحيد في البقاء خارج قفص المحاكمة. هل يعي صالح الفرق الشاسع بينه وبين بوتين؟, الفرق شاسع جداً إنسانياً ومهارياً وعملياً وعقلياً إلى أبعد مستوى, ولا تشابه بينهما إلا في الانحدار من أسر فقيرة, بوتين ابن الفلاح الفقير تخرّج من كلية الحقوق ودلف إلى عالم الاستخبارات، وكان رجل المخابرات والسياسة الذكي الذي قفز خطوات عملاقه تتناسب مع دهائه ليصبح حاكم مقاطعة بطرسبورغ، ثم يصل إلى النخبة الحاكمة في موسكو، واستطاع بجدارة أن يصبح رئيساً ويحقق في فترة وجيزة التطور السياسي والاقتصادي والتنموي الذي يتمناه كل الروس, بل وأعاد لها مكانتها في ريادة العالم وقيادة المجتمع الدولي، وهذا ما كان مستحيلاً في نظر الروسيين أنفسهم, ولذلك فإن من الخزي على “عسيق اليمن” أن يتشبه بثعلب روسيا أو يطمح لأن يكون مثله. ولأن صالح لا يتصفح الإنترنت – حتماً - فهو لم يعرف أبداً ولم تقل له حاشية السوء خوفاً على مشاعره أنّ بوتين يجيد مهارات تجعله الرئيس القائد والمفكر والمنظِر والإنسان الملهم والمبدع ولم يمتلك صالح شيئاً من هذه الصفات, بوتين رسام تشكيلي بامتياز بيعت إحدى لوحاته المسماة (زخارف) في مزاد علني وصل إلى 37 مليون روبل، بما يعادل مليون وربع مليون دولار, ووجدت أيضاً توثيقاً بالفيديو لحفل خيري للمعاقين يحضره بوتين ويعزف بالبيانو فيه تشجيعاً للمعاقين ويغني أغنية روسية شهيرة بأداء أدهش الجميع, ولا أستغرب على من يملك تلك الشخصية أن يجيد كتابة المقالات الصحفية، وقد نشرت مجلة روسية شهيرة مقالاً كتبه بوتين عن الاقتصاد ونسقه بنفسه دون مساعدة أحد ونشرته المجلة، كما ورد دون تعديل، فنادرون هم القادة الذين يملكون فن الإدارة والتنظير لها فكراً في وقت واحد, ولا أنسى الإشارة إلى المهارات الرياضية الأخرى مثل إجادة لعب رياضة الجودو وبنفسه تغلب على بطلة يابانية في حلبة أمام الكاميرات بأداء محترف ومذهل, بالإضافة إلى رياضات أخرى مثل كرة الطائرة وكرة القدم شاهدتها على اليوتيوب. وصدقني لا يستطيع صالح فعل شيء من هذا أيام كان جندياً شاباً فكيف به وهو في السلطة؟، وأراهن على أن الولد أحمد مفلس أيضاً فكرياً وقيادياً ومهارياً وإنسانياً ومن يشابه أباه فما ظلم، والدليل أنه لا يجرؤ على مواجهة الكاميرا والتفوه بكلمات, والصمت بالنسبة لكثيرين نعمة تستحق الشكر, فلو نطق فمن المرجح أنه لن يتفوه بخير. لدى صالح فرصة للتصالح مع نفسه بتعلم العزف على البيانو، تجربة الرسم التشكيلي وكتابة المقالات الصحفية - وليس هذا بمستحيل, فأغلب أصدقائه بدأوا بصقل مهاراتهم بعد العزلة السياسية التي يعانون منها، وقرأنا قصيدة للمحافظ الصوفي وكتابات عقلانية لعبده الجندي وقراءات متوازنة للشاطر، ولو أنهم استمروا بهذا النسق وصدقوا مع أنفسهم لتطهروا من أوزارهم - وأنصح صالح بالابتعاد عن مقارنة نفسه بالرئيس بوتين حتى لا تتعقد وتسوء حالته النفسية المرضية أكثر حتى نتمكن من محاكمته لاحقاً؛ لأن الأمل بمحاكمته أكبر بكثير من أمله بالعودة إلى عالم السياسة.