الأشباه يتصارعون في اليمن ونحن الضحية، نحن نشهد حرباً أو صراعاً بين قوى متخلفة، ينطبق هذا على صراع الحوثية والسنة، الحوثية والإخوان، الحرس والفرقة، المشترك والمؤتمر، القبائل تحت مسمى القبيلة، وأهل تعز تحت مسمى تعز، نفس الأنساق، منظومة التفكير عينها، قواسم مشتركة بينها جميعاً، كلها قوى متخلفة وتقليدية، ودمار يتناسل، وخراب يرث خراباً ويورث آخر. كم أشفق على كلّ من هذه القوى وهي تتوسل خطاباً في نقدها للآخر، يصلح أن يكون في نقدها هي ذاتها، حين تنتقد الآخر بما فيها من عيوب ومآخذ دون أن تعي ذلك، كم أشفق على الحوثيين وهم ينتقدون السعودية، بينما لا فرق بينهما؛ من حيث كونهما بدءاً من التسمية يقومان على ركيزة النظام القرابي الذي ينتج عن النظام الأبوي ويعيد إنتاجه طبعاً، بالإضافة إلى أن كلاً منهما يقوم على قتل إمكانية وجود هويات كبرى حين يختزل الانتماء إلى عائلة بعينها. ورغم الفرق بين السعودية والحوثية، لكنني أريد أن أقول: كيف يمكن للحوثية أن تنتقد السعودية وهي تسير على خطى النظام العائلي، لا فرق بينهما كمنظومتي تفكير تختلفان عن بعضهما، لكنهما تلتقيان في أمور كثيرة أهمها هو النظام الأبوي الذي يشترك فيه أيضاً العسكر، والمؤتمر والمشترك، والقبيلة، وينتج العقول البليدة والمغلقة، ويلد الأنظمة الاستبدادية عموماً، النظام الأبوي الذي ينتج (الطوطم) المستبد، ويوفر له الهواء والماء ويضمن له التكاثر والتناسل. القوى الليبرالية والحداثية والمدنية المعوّل عليها تواصل ضياعها بين هذا وذاك، بين القوى المتصارعة؛ حداثيون وأدباء يتبنون الخطاب الحوثي في صراعه مع الإصلاح، وحداثيون وأدباء يتبنون الخطاب الإخواني (وخطاب المشترك عموماً) في صراعه مع الحوثيين. كتبت في مقال سابق (كرسي المعارضة شاغر)؛ لأن المشهد الآن بلا معارضة، وبالفعل نحن نعيش بلا معارضة، الحوثية والحراك هما أهم وأقوى تكتلين في الساحة يمكن أن يلعبا دور المعارضة، بعد أن أصبح المشترك جزءاً من النظام، لكن أياً منهما لا يمكن أن يعبر عن مطالب الناس بشكل عام، لكنهما و(خصوصاً الحوثية) - وبالتواطؤ وربما بالتنسيق مع النظام السابق - أحد شقي النظام الحالي: المؤتمر؛ يدغدغون عواطف الناس بخطاب نقدي موجه ضد (المشترك) وحكومة الوفاق، وحتى ضد الانتخابات الرئاسية، وهو خطاب منطقي جداً، لكنه لا يقدم البديل، ولا تشعر بين سطوره أنه يفكر فيه حتى، وهذا يختلف عن الكتابات الفردية لبعض الكتاب؛ لأننا هنا نتحدث عما يمكن أن يكون أشبه بالخطاب المؤسساتي الذي يعبر عن منظومة متماسكة من القناعات والرؤى والتوجهات والنزعات السياسية. إن فرصة وجود معارضة قوية من قبل المكونات الوطنية الحقيقية التي لا تولي أي اهتمام لمصالحها الشخصية أو الطائفية أو الحزبية أو أي انتماءات ضيقة، أقول: إن مثل هذه الفرصة مازالت قائمة، ولعل كثيراً من المثقفين الآن بدأوا يشعرون بأهمية وجودها في شكل تكتل مدني (وليس حزبياً) يمثل صوت الوطن، صوت الإنسان اليمني في كل مكان، ويفكر بجدية ومسؤولية وطنية، وهذا ملقى على عاتق كثير من المثقفين والكتاب والصحفيين وقادة الرأي وأصحاب الفكر وشباب الساحات، بدلاً من أن يظلوا خارج الدائرة، ويكتفوا بالانتظار والمراقبة والتحليل، ويقعوا دون أن يدروا ضحية لتجاذب القوى أطراف المشهد السياسي والثوري. إن اليمن بقدر ما هي بحاجة إلى مستقبل مختلف وتحول على كل المستويات بحاجة إلى صوت جماعي نقي، همه الوطن أولاً وأخيراً، وهذا لا يعني أنه غير موجود بل موجود ومتمثل في أصوات فردية تضيع في الزحام وفي دوامة الصراعات بين تلك القوى المتخلفة والبائسة والبدائية. [email protected]