سألتها عن الجاه والثراء.. أجابتني .. بكل كبرياء.. هم الأبناء سألتها: وما سلاحك للنماء أجابتني حباً، تضحية، إخلاصاً وفداء وعن حدود عطائها والمدى أجابتني أنا للعطاء وجوداً وتاريخ وضاء سألتها عن تضحيتها والفداء أجابتني أنا للتضحية والفداء أم وموطن.. منبع وسكنى فدوماً يبحث عنهما الأحياء.. بربوع الأرض.. بقممها.. وبعمقها وعلى قلب الصحراء.. أراهم وقد تمكن منهم الإعياء، وأضناهم نار اليأس والأسى بحثاً، وتنقيباً وعناء لكن دون جدوى فمولدها والبقاء حصرياً في وجداني أنا والحشاء.. وبإشراقة فجر وصفاء تطل دوماً من نافذة صدري المعطاء تعلن للملأ ها أنا ذا بعظمة إعجاز.. صمم حروفي المولى.. نسج مضموني والمحتوى. سألتها شقاء، وعناء، بذل وسخاء، كفاحاً لايمل، فيض لاينضب، إيثار لايصدأ أبداً، حب لايهون.. لايشيخ.. لايكبر وإن قسى الطرف الأخر أوداس أو أهمل فمن أنت ياترى..؟؟! وما المقابل إذن..؟؟! أجابتني وبكل سخرية وهزاء: ذاك فلذة كبدي.. حياتي.. عمري والمنى ذاك أنا بأعينهم لجمال الدنيا أرى.. بهم أبني لأحلامي قصوراً مشيداً.. قمماً وربى.. ومن ذاتي أعلن النكران أنا لأمزجه بدأت عمري والمنى. لاتؤلمني جروحي طالما لبني جروح تطغى.. والعكس إذا هم ترى أنا بساط أخضر يزداد لمعاناً ونماء كلما التمس على واحاته الأبناء أنساً ودفئ.. ولأجلهم أنا بألوان العذاب أجد مذاقاً أشهى للذة الكبرى وبأنواع الأسى أصنع فجراً أنسج فناً.. طرباً وشذا.. ولأجلهم أرتشف أنا كؤوس المر ألوانا، فأحسبه عسلاً أنقي.. ألذ وأصفي فالأجلهم أنا الصلابة والإباء. سألتها.. فأجابتني ... فقلت لها: أنت حقاً نور الدنيا.. في عتمة الدجى أنت لهم الضياء. في غابتنا الكبرى أنت الأنس والسلوى.. أنت الإنسانية والولاء فقط وغيرك سُدى أنت حقاً تضحية وفداء. في عز الشتاء تخلعين معطفك والرداء ليكون لهم نعم الدفء وبذاك أنت تسعدين في حر الصيف أراك تجتاحين الصحراء مداعبة رملها والثرى بحرها وذاك البلاء فتخضبك تلك الدماء.. ويسخر من جروحك الأعداء فتتلذذين أنت بغزارتها والمعنى.. وبهيجان البحار، وسواد الليل بوجه المساء في تلك الليالي الظلماء تتلاطم بجسدك الأمواج فيتراقص على أناتك الأنذال استخفافاً أغبياء وتترنمين أنت بسمفونية فداء فتجسدين بإيقاعها أغرب عشقاً على الدنيا.. لا مقابل ترقبين كلا ولن تثيرك الأقاويل.. وبتعليقاتهم المرة لا تأبهين أبداً ما دام الأبناء يحصدون ثماراً لآلامك والعناء ليجعلوا من دررها وبذورها والنوى مجداً لهم وسمو ورؤى تعانق سحب السماء شموخاً وكبرياء. أنت ذاك اللغز الغريب.. ذاك السر العجيب ببديع تركيب تلك هي أنت “نور الدنيا” أنت أيتها الأم الجليلة فما أدري بأي لغة وصياغة وبلاغة أوفيك حقك من العبارة كل عام وأنت تلك العظيمة