هاشم المذحجي - لقد خُطِبتْ. انهارت جبال ..تشقق كون..و فجرت مجرة في تلك اللحظة فقط . - هكذا هي الدنيا آخذة دوما من نحب. الزفرات لم تخرج بل تكونت و توغلت في داخل ذلك الرأس كالبركان..العينان كجمرتين تفاعلتا والجسم يرتعش.. خرجت أمه و تركت أشلاء جسده متناثرة في فضاءات تلك الغرفة..آهات عقله امتزجت مع الخلايا راسمة أجلى حالات القهر و الأسى..أحس أن واقعه الذي اعتقده دوما متشعبا كبيرا و بلا نهاية قد صار نقطة سوداء قابلة للمسح ..صار كلمة بيضاء لا ترى.. صار لا شيء.. طلتها عليه من ذلك الجدار كانت كما لو أن غلالة ذهبية شفافة قد زينت أرضه المبللة فتوجهت و تلألأت عاكسة طيفها عليه. اليوم فقط علم قوة ذلك الحب..و عرف صدق شعوره تجاهها..عرفه من الرعشات التي سرت كالتيار في جسده..عرفه من الكوب الذي تحطم فجأة بين يديه..عرفه ولكن متى؟ خرج من غرفته يسأل أمه و الحزن يعتصره اعتصارا كيف يكون الجسد من دون روح و كيف يكون الطير من دون ريش أجابت: - الموت لكليهما قال: -هذا أنا..قد صرت جسدا من دون روح. هذا أنا..قد صرت طيرا من دون ريش. قالت و علامات الأسى ترتسم على وجهها: - انسها أحقا سيعيش من دون تلك الهالة التي كانت تضفي على دنياه نورا و تحيطه دفئا..وكيف ستكون الحياة من دون مرآها..لقد اعتاد على رؤياها منذ الصغر..منذ اليوم الذي وعى وجوده فيه على هذه الدنيا ..فكيف ينساها؟؟ كيف ينسى الأيام التي كانا يقضيانها معا عندما كانا طفلين..كيف تلك الضحكات التي يختلج قلبه لسماعها..كيف يستطيع نزعها الآن من ثنايا ذاكرته..كيف يستطيع نزع ذلك الوجه الملائكي و تلك الابتسامة المتألقة.. ربما نزعها إذا فقد ذاكرته..أو حين مماته وهو في القبر لا يفكر إلا في العذاب..أو حين قيام الساعة..ربما..فقط ربما.. دخل إلى غرفته مطأطئ الرأس سائلا نفسه أهذا هو الحب:مودة ثم ولع فافتراق,تناهى إلى مسامعه صوت بكاء..بكائها..كان يعلم أنها مجبرة على ما هي مقبلة عليه..كان يؤمن بحبها له فقط من عينيها..من تلك اللؤلؤتين الصافيتين الصادقتين..كانت لغة العيون هي لغة الحب بينهما.. كان يأمل دوما أن تكون له..و أن تنصهر بين ذراعيه..و تداوي جراح جسده المتعطش لملامستها..كان يراها تلك الزوج التي تمناه..و لكن ..و مع كل آماله..كل رغباته..كل توقعاته..أكتشف أخيرا أن علاقتهما قد انتهت ولكن بعد فوات الأوان..بعد أن أصبح أن أصبح جزءا منها..جزءا من ذلك الكائن الرقيق السام ..الكائن المتجلي تحت اسم(أوهام) (أوهام) جوقة من أوقاتي اللامنسية..شرخ في ذاكرة الأحلام.. (أوهام) ديمة استمرت أيام ..ذكرى من الأحزان.. (أوهام) كتلة جليد حملتني على عدنها طافية بي في ماء آسن..أخذت تذوب و تذوب حتى تركتني هناك غارقا وحدي في بحر من الأوهام.