خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    من هو اليمني؟    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    التفاؤل رغم كآبة الواقع    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لرؤيا مستقبلية لشباب الثورة!
نشر في الجمهورية يوم 22 - 03 - 2012

لقد آن أوان إطلاق عملية التنمية المستدامة في اليمن:
الحلقة الاخيرة
الابعاد الاجتماعية
الجناح الاجتماعي هو احد اجنحة التنمية المستدامة و بالتالي فانه يجب ان يحظى بنفس الاهتمام الذي يحظى به الجناح السياسي. و في هذا الاطار فان مسئولية اصلاح الجناح الاجتماعي للتنمية تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الدينية ( المذهبية) و مؤسسة القبيلة.
و من اجل اطلاق عملية التنمية المستدامة فان على هذه المؤسسات مناقشة القضايا التالية المهمة بهدف التوصل الى توافق حولها. و لا شك ان النجاح في تحقيق ذلك سيزيل بعض اهم العوائق التي وقفت و يمكن ان تقف امام عملية التنمية المستدامة.
اشاعة التسامح
تنبع اهمية التسامح في عملية التنمية المستدامة من حقيقة ان المجتمع المؤهل لإطلاق عملية كهذه لا بد و ان تحكم علاقاته اما قواعد العدل و اما قواعد الاحسان. و لا شك ان اشاعة التسامح امر ضروري لتحقيق ذلك.
فعلى الرغم من ان إقرار القواعد العامة للعدل بهدف الاتفاق على مرجعية مقبولة من الجميع سيساعدنا على التعامل مع أية عقبات قد تعترضنا في علمية النهوض الا انه من المسلم به ان قواعد العدل لا تصلح للتعامل مع كل القضايا و المشاكل التي قد يواجهها أي مجتمع من المجتمعات. لذلك فان هذه القواعد لا بد و ان تكمل بقواعد الاحسان. قواعد الاحسان تتضمن العفو و التنازل عن الحقوق طوعا و كذلك التضامن و التكافل.
ذلك أن نجاح أية أمة في تحقيق تنميتها المستدامة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا أصبحت أمة متضامنة ومتكافلة ومتحدة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا نجحت في الاتفاق على مكونات العدل في العديد من الموضوعات الأساسية التي تهمها.
لا شك أن اليمن لم ينجح في ذلك حتى الآن الامر الذي يفسر الإخفاقات التي واجهها و بالتالي عجزه عن تحقيق تنميته المستدامة. فالأمة ليست موحدة بالشكل الكافي مما ترتب عليه غموض في الحوافز مما تسبب في عدم إقبال عدد كبير من أفراد الأمة اليمنية على العمل المنتج بدلاً من الانشغال في النقاشات العقيمة او الانتظار للمجهول واللذين يمثلان إهداراً للطاقات وعقبات أمام النهوض.
ان ثقافة المجتمع الراغب في تحقيق التنمية المستدامة ينبغي أن تعمل على تشجيع الممارسات التي تقوم على العدل و الاحسان وإدانة الممارسات التي تؤدي الى البغي والطغيان. وبالإضافة الى ذلك فإن تدعيم ذلك من خلال التركيز على قيم العدل في وسائل الإعلام وفي الكتابات وفي الأمثال والنكت الشعبية.
و في هذه الحالة فانه يمكن تحويل القبيلة من مؤسسة تعمل على تكريس البغي و الطغيان الى مؤسسة تعمل على تشجيع العدل و الاحسان. و من اجل تحقيق ذلك فانه لا بد من اجراء مصالحة تاريخية بين الدولة و القبيلة من خلال حوار جاد تتبناه مؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك المؤسسات الدينية يجمع بين ممثلين للدولة و القبيلة.
و في هذه الحالة يكون العنوان الرئيسي لهذا الحوار هو المصالحة بين مؤسسات الدولة و مؤسسة القبيلة. و لا شك ان الاتفاق بين المؤسستين يجب ان يتم من خلال تحديد وظائف الدولة و مهامها و تعهد مؤسسة القبيلة باحترام ذلك طوعا مقابل اعتراف مؤسسات الدولة لمهام ووظائف القبيلة و القبول بها من قبل الدولة بل و توفير الدعم اللازم لتحقيقها.
التعصب المذهبي
يجب الاعتراف بان اليمن يعاني من تعصب مذهبي حاد. فعلى الرغم من الاعتراف بذلك علنا الا ان هذا التعصب المذهبي الحاد هو الذي يقف وراء العديد من ظواهر العنف و عدم الاستقرار. فلا يمكن احد ان يجادل بان جذور ما اطلق عليه بقضية صعدة او الحوثية ما هي في حقيقة الامر الا التعصب المذهبي من الطرفين. و كذلك فانه يمكن القول بان قضية تنظيم القاعدة في اليمن لها جذور مذهبية ايضا.
و على هذا الاساس فان مناقشة التعصب المذهبي امر في غاية الاهمية بهدف اطلاق عملية التنمية المستدامة. و يمكن القول بان هذه المهمة تقع على عاتق علماء المذهب. و من اجل تسهيل عملية التحاور بين هؤلاء فان على الدولة ان تعمل على الجمع بين ممثلي كل المذاهب في اليمن في حوار عام و صريح. انني على ثقة ان ذلك سيعمل على نزع فتيل الصراعات المذهبية الظاهرة و الخفية في اليمن.
ان عدم التصدي للتعصب المذهبي سيعمل على استمرار الاختلالات بين الحقوق والواجبات مما سيؤثر سلبا على مفهوم المواطنة المتساوية. لذلك فانه لا ينبغي اعتبار التعصب المذهبي من القضايا الصغيرة او الهامشية. انها في حقيقة الامر قضية مهمة وحاسمة تتطلب التذكير بها و التوعية بها شعبيا و على نطاق واسع في كل المناسبات و الفرص الممكنة.
ان التوعية بمضار التعصب المذهبي يجب ان تكون في صميم العملية التعليمية والثقافية بل و السياسية و الاجتماعية. و يأتي في مقدمة ذلك ايجاد مرجعية متفق عليها لمناقشة ما يتم الاختلاف حوله و الاتفاق على معالجات مرضية للجميع.
و في هذا الاطار فإنه يمكن القول بان المساجد في الوقت الحاضر هي من اهم ادوات الصراع المذهبي و الذي يجب على الجميع التصدي لهذه القضية بكل الجدية التي تتطلبها. لا أكاد أبالغ إن قلت إن عددً كبيراً من المساجد في اليمن قد تحولت من مساجد تؤسس على التقوى إلى مساجد تؤسس على جرف هار، وبالتالي تقود الناس إلى الفتنة. و الدليل على ذلك أن هناك سباقا بين المذاهب و التيارات الفكرية بل حتى الأحزاب السياسية والدول الإقليمية على إقامة المساجد و احتكار إدارتها لتحقيق أهدافها الخاصة و بذلك فإنها تمارس الضرار والتفرقة بين المؤمنين.
ألا ترى أن هناك تشوهاً في بناء المساجد يتمثل في إقامة عدد من المساجد في منطقة جغرافية واحدة لا تحتاج إلا إلى مسجد واحد. إن ذلك يدل على استخدام المساجد للكسب المذهبي أو الفكري أو السياسي. و لقد ترتب على ذلك أن أصبح ارتياد مسجد من المساجد يشير إلى التصنيف المذهبي أو الفكري أو السياسي. و بعض الناس قد يقع ضحية لذلك دون أن يشعر بذلك فقط لأنه اعتاد أن يصلي بمسجد معين لأنه يقع قريباً من بيته.
تستغل المساجد كمحاضن لأصحاب الأجندات المتطرفة أو الأفكار الضالة. فالتردد على المساجد لا يمكن أن يمثل أي قرينة على التأثر بالأفكار الضارة، لأن في الأصل أن التردد عليها علامة من علامات الإيمان. و حتى في حال وجود أي قرائن على انحراف البعض فإن متابعة ذلك من قبل الأجهزة الأمنية صعب للغاية حتى لا تتهم بالعلمانية و محاربتها لرواد بيوت الله. و الالتقاء في المساجد تحت أي ذريعة يمثل غطاء فعالاً يستخدمه أصحاب الأفكار الضالة أو المتطرفة. ففي الظاهر فإن الالتقاء يتم تحت مبرر المواظبة على الصلوات المكتوبة او قراءة القرآن أو الذكر أو الاعتكاف أو أي شيء آخر. لكن في الباطن قد يتم لهدف الإعداد لأعمال مضرة و غير مشروعة.
يستخدم البعض المساجد لاستقطاب صغار السن تحت مبرر تعليم القرآن أو العلوم الشرعية أو حتى تقوية الطلاب في المناهج الدراسية. لكن في الواقع يتم ادلجتهم وبدون علم من أولياء أمورهم. و يتم التحفظ على ذلك و لا يتضح الأمر إلا بعد أن يقدم بعض هؤلاء على تصرفات غير مقبولة إما في بيوتهم أو في الأماكن العامة وفي هذه الحالة فإن من تم تجنيدهم يكونون قد تعرضوا لعمليات غسيل مخ يصعب تخليصهم منها.
يمارس الخطباء دور التعبئة الخاطئة و ذلك من خلال توجيه خطب الجمعة للترويج لأفكارهم ولأيديولوجياتهم و من خلال تشويه مناوئيهم و من خلال تضخيم الأحداث العادية. و الأكثر أهمية من خلال تزييف الوعي. فمن المفترض أن يكون الخطيب معلما و ليس داعية فتنة. فالمعلم يوصل للآخرين المعلومات الصحيحة التي تمكنهم من اتخاذ القرارات الصحيحة بأنفسهم. و لذلك فان عليهم أن يكونوا متوازنين في طرح الموضوعات و في إعطاء آرائهم حولها. فلا بد من إنصاف أصحاب الرؤى التي يختلفون معها و عليهم أن يسندوا ترجيحاتهم لأي من الآراء المناقشة بالحجج و البراهين. أما دعاة الفتنة فإنهم يصورون آراءهم بأنها حقائق مطلقة و أن من يعارضهم لا دليل لديه ومن اجل ذلك فإنهم يشوهون آراء معارضيهم و في سبيل ذلك فإنهم لا يترددون في اجتزاء الحقائق و المعلومات بما يخدم توجهاتهم. و لا شك في أن ذلك هو تضليل بكل ما تعنيه الكلمة و لذلك فهو نوع من ممارسة الإضرار و التفرقة بين المؤمنين.
تستغل المساجد في اليمن لتوفير التمويل للجهات التي تسيطر عليها. و يتم ذلك من خلال ممارسة العديد من أساليب النصب و الاحتيال. فأول هذه الممارسات جمع الزكوات بهدف توزيعها على المستحقين و لا يوجد أي إشراف على ذلك مما يسهل تحويلها إلى أغراض أخرى. و يتم الإعلان عن وجود منظمات خيرية غير مرخص لها و لا يوجد لبعضها أي وجود في الواقع بهدف جمع التبرعات لها و يتم استخدام ما يتم جمعه من أموال بحسب ما تراه إدارة المسجد. تبني مشاريع خيرية مثل إفطار رمضان أو كسوة العيد أو دعم المجاهدين أو اللاجئين و لا يوجد أي تقييم عن حجم الأموال التي تجمع بهذه الطرق و لا الكيفية التي يتم إنفاقها بها.
تعمل المساجد على إشاعة اليأس بين الناس من خلال التركيز على الترهيب و تجاهل الترغيب بهدف حث الناس على الالتحاق بهم أو اعتناق أفكارهم أو التبرع لهم. و لا شك في أن الأضرار التي تترتب على خطاب مأزوم كهذا تتجاوز هذه الأضرار إلى أضرار نفسية و سياسية و اجتماعية مدمرة. فمن ينصت لمعظم خطباء الجمع سيدرك حجم اليأس الذي يلحقه هؤلاء بالمصلين. فالحياة كلها سيئة و فساد و القيامة على وشك أن تقوم و عند قيامها فالناس كلهم سيساقون إلى النار. إنهم لا يدركون أن القرآن قد احتوى على كل من الترغيب و الترهيب. ووفقا لذلك فهناك من هم مرشحون للجنة و من هم مرشحون للنار مع أن رحمة الله أوسع. ولذلك فان الحياة فيها الخير وفيها الشر و الأمل في المستقبل هو أمل في الله و ليس يأساً من الله.
على الرغم من أن القرآن قد اعترف بوجود بعض الوجاهة في وجهات النظر التي لا يتفق معها ولكنه لم يغمط من حقها حيث قال «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم». فقد يكون في بعضها خير لكن ما جاء به القرآن أكثر خيرية. لكن الكثير من الخطباء يعتبرون كل وجهات النظر المخالفة لوجهة نظرهم باطلة. و لذلك فإنهم لا يأبهون لوجود المصلين وقد يختلفون مع وجهات نظرهم فلا يترددون في نعتهم بأبشع النعوت. و الدليل على ذلك أن بعض الخطباء يأخذ كل الوقت الذي يحتاجه في قول ما يريد و إذا ما حاول احد من المصلين أن يناقشه في بعض ما يقول فإنه يضيق صدره و يرد «إن أردت أن تسمع ما اقول فأت إلى هذا المسجد و إلا فان عليك أن تذهب إلى أي مسجد آخر» و كأن هذا المسجد ملك له يتحكم به كما يشاء.
و لذلك فان الكثير من الخطباء و المحاضرين في المساجد يتعاملون مع المصلين بأنهم عصاة ومذنبون و مقصرون و لكنهم ينسون أنفسهم فقد تكون تصرفاتهم مثل تصرفات من ينتقدونهم. و الدليل على ذلك شدة لهجة خطابهم للمصلين وللحاضرين و كأن أقوالهم و نصائحهم أوامر يجب تنفيذها وإلا تعرض من لا ينصاع لها للعقوبات الإلهية. و لا شك في أن ذلك يعد من باب تزكية الخطباء و المحاضرين لأنفسهم أو مذاهبهم أو أحزابهم.
لا شك في انه قد ترتب على تصرفات هؤلاء أضرار و مفاسد كثيرة. فمن ذلك اتساع التعصب المذهبي أو الفكري أو الحزبي و لا شك في أن ذلك يهدد الوحدة الوطنية و السلم الاجتماعي. من الواضح أن خطابات متطرفة كهذه قد عملت على تبرير أعمال الإرهاب و التطرف. فإذا كانت مؤامرات الغرب على هذا النحو و إذا كان حكامنا خاضعين لهم إلى هذا الحد و إذا كان المسلمون يمنعون من ممارسة دينهم و عبادتهم و يرغمون على تغيير دينهم على هذا الشكل فإن ما يقوم به البعض من إرهاب مبرر بل انه قد يكون واجبا.
ان عدم التأكد من الإشاعات و الأخبار و تقديمها في الخطب و المحاضرات على أنها حقائق في حين أنها ليست كذلك في الواقع يعمل على تعميق تفكير المؤامرة. و كأن ما يحدث في هذا العالم مسئول عنه النصارى و اليهود و بالتالي فإن الله عاجز عن إيقافهم عن بغيهم و فسادهم. و لا شك في أن مثل هذه الممارسات تعمل على إرهاب المسلمين و تصوير انه لا يوجد أي خيار لمواجهة هؤلاء و أن أفضل شيء في ظل هذا العجز هو الاستسلام لهم و القبول بما يريدونه. هذا من ناحية و من ناحية فان الترويج لمثل هذه الشائعات يجعل الغرب يصدق ادعاءات بعض المعادين للإسلام و المسلمين بان الصدام بين الغرب و الإسلام حتمي و لا يمكن تجنبه بأي حال من الأحوال.
إن الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة تكمن في تحزيب المساجد و في استخدامها كغطاء لنشر التمذهب و تأجيج الطائفية. و كذلك فإن من ضمن أهم أسبابها جهل بعض الخطباء وانفرادهم في إدارة المساجد و بدون أي رقابة لا حكومية و لا مجتمعية.
و لذلك فإنه من أجل القضاء على هذه الظاهرة او على الأقل التخفيف منها لا بد من تحريم الحزبية على أئمة المساجد و خطبائها و كذلك فإنه لا بد من اشتراط توفر مؤهل جامعي في الشريعة الإسلامية و التدريب الكافي لكل من يريد ان يمارس الخطابة. والأهم من ذلك يجب ان لا تتبنى المساجد أي مذهب إسلامي بعينه لان المصلين فيها هم من جميع أتباع المذاهب الموجودة في اليمن.
و من اجل إيجاد رقابة على تنفيذ هذه الشروط فانه لا بد من تشكيل لجان من أبناء الحي المصلين لاستلام و إدارة أي مسجد من مساجد الحي. فلا شك في أن اختيار أبناء الحي لهذه اللجنة سيعمل على أن تكون ممثلة لكل المذاهب و التوجهات الفكرية فيه وبالتالي فإنها ستدير المسجد بما يتوافق مع القواسم المشتركة لها كلها. وإلى جانب ذلك فإن هذه اللجنة هي صلة الوصل بين وزارة الأوقاف و المسجد و بين المصلين في المسجد و كل من إمامه وخطيبه. وستعمل هذه اللجنة على تنظيم عملية الدروس و المحاضرات التي يمكن أن تتم فيه و كذلك عملية جمع التبرعات و تحديد نوع وكيفية الأنشطة الاجتماعية التي يمكن أن تقام به.
إن الإسراع بتنظيم عملية إدارة المساجد بما يجنبها أن تكون مصدراً للفرقة والشقاق ضروري جدا. و ما لم فإننا سنكتشف أننا قد قصرنا في حقوقنا و حقوق أبنائنا و حقوق الوطن عندما تنفجر هذه المساجد كقنابل تدمر كل شيء. إنني لأدعو الله ان لا يأتي اليوم الذي يحدث فيه ذلك لا في المستقبل القريب و لا المتوسط ولا البعيد.
الابعاد التعليمية و الثقافية
ما من شك بان التعليم يلعب دورا اساسيا في خلق الثقافة الدافعة لعملية التنمية الاقتصادية. فالتعليم هو الذي يخلق المعرفة الضرورية لإدارة عملية الاستغلال الامثل للموارد الطبيعية المتاحة. و بدون ذلك لا يمكن تحقيق اي نوع من انواع التنمية الاقتصادية المستدامة.
و التعليم هو الذي يمكن افراد المجتمع على الاتفاق على توزيع ثمار التنمية بين مختلف مكونات المجتمع بشكل عادل. وحتى يكون للعدل معنىً فإنه يجب أن يتم الالتزام بقواعده طوعا فإن لم يتم ذلك فكرها. فبدون ذلك فإنه لا يكون لهذه القواعد أي معنى. ولعل ما يميز الإنسان عن الحيوان هو الحسد الذي هو رفض الإذعان للحق إذا كان ذلك سيؤدي الى حصول الغير على منافع مادية ومعنوية. ويترتب على ذلك أن يرى الإنسان نفسه هو الأحق بكل تكريم أما غيره فلا يستحق أي شيء من ذلك حتى لو كان يتميز بخصائص طبيعية او مكتسبة.
ونتيجة لذلك فإن بعض الناس الذين تضخم داء الحسد في نفوسهم ولم تستطع القيم الدينية والإنسانية السيطرة عليها لا يذعنون لقواعد العدل طوعا. ولذا فإن التخفيف من الآثار الضارة لهذا الداء يتطلب معاقبة حامله بإذاقته من نفس الكأس الذي يريد أن يذيقه الآخرين ظلما.
التعليم هو الذي يمكن من الاستفادة من قواعد العدل طوعا. فمن خلاله فقط يمكن تقليل الذين لا يحترمون قواعد العدل او النتائج المترتبة عليها طوعا. فعلى سبيل المثال اذا ما رفض أي شخص التفاوت في الدخل الناشئ من التفاوت في المواهب وعمل على السطو على بعض هذا الدخل سرا او علانية فإنه لا بد أن يردع بواسطة العقوبات الفعالة التي تجعل غيره يتجنب مثل هذه التصرفات.
و من اجل اصلاح التعليم في اليمن حتى يكون وقودا حقيقيا لعملية التنمية المستدامة فان لا بد من الفصل بين التعليم و التسييس او التمذهب. فعلى الرغم من الحديث المتكرر عن الاهتمام بالتعليم و اصلاحه، و على الرغم من استراتيجيات التعليم المتعددة، و على الرغم من الموارد المالية التي خصصت للتعليم فان الحقيقة المرة هي ان التعليم في اليمن لا زال متخلفا. بل انه يمكن القول بانه فاشل بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.
ان مهمة حل مشاكل التعليم هي مسؤولية مؤسسات المعرفة اي الجامعات و مراكز البحث المتخصصة. ان هذه المهمة لا يمكن القيام بها الا من خلال الفنيين المتخصصين المحايدين غير المدلجين او المتمذهبين او المسيسين. ان اصلاح التعليم لم يعد رفاهية و انما اصبح حاجة و ضرورة. فالاستقرار السياسي و ترسيخ الممارسات الديمقراطية يتطلب تعليماً فعالاً. و تحسين الاوضاع الاقتصادية يتطلب توفر حد ادنى من مستوى التعليم. و التغلب على المشاكل الاجتماعية يتطلب حدا ادنى من التعليم.
ان فشل عملية التعليم في اليمن يرجع ،من وجهة نظري، و في المقام الاول الى تغليب الاعتبار المذهبية و السياسية على الاعتبارات الفنية للتعليم. لقد ترتب على ذلك عدم وضوح مفهوم التعليم و العوامل المرتبطة به لدى الجهات المشرفة عليه و على مراكز القوى في البلاد.
فبدلا من التركز على متطلبات التعليم الفنية فقد تم اعطاء الاوية للاعتبارات المذهبية و السياسية. و نتيجة لذلك فقد أضحت العملية التعليمة مرتعا للأيدولوجيات المذهبية و السياسية. و بدلا من ان يكون التعليم وسيلة لتقليل الصراعات المذهبية و السياسية فقد اصبح مسرحا لها و مصدرا لتغذيتها و تبريرها و اشعالها.
ان اصلاح التعليم في اليمن يتطلب ازاحة الاعتبارات المذهبية و السياسية عنه بشكل كامل. فحقيقة التعليم الحقيقي و الفعال تنبع من اعتبارين اساسين. التعرف على وسائل الاستشعار و القدرة على فهمها كما هي. ان هذين الاعتبارين مستقلين و لا علاقة لهما لا بالتمذهب و لا بالسياسة. فقد خلق الله وسائل الاستشعار و اعطى لكل انسان قدرات تمكنه من تحليلها و فهمها.
فالله قد امتن على آدم عليه السلام و ذريته بهذه الهبة و كرمه بها. و قد من الله على آدم و ذريته بانه لم يحرمهم منها حتى في حال عصيانهم له او حتى في حال كفرهم به. فها هو آدم عليه السلام لم يحرم من هذه الهبة عندما عصى ربه. فبها تعرف على خطائه لأنه تلقى كلمات من ربه ففهمها فتاب الله عليه. و التاريخ يشهد ان القدرة على الفهم اي القدرة على التعليم ظلت متوفرة في من كفر بالله. فمعرفة الله ترتبط بالقدرة على التعلم. و كذلك معرفة الحق و الباطل. فلا كراه في اليدين فقد تبين الرشد من الغي. فاذا كان لا اكراه في الدين فانه من باب الاولى فلا اكراه في المذهب و لا في السياسية.
ان الدين الحقيقي هو الذي يقوم على الاقناع و الاقتناع و كذلك التمذهب و كذلك السياسة. فمن الملاحظ انه تم السماح بتعدد الاديان بشكل او باخر لكنه لم يتم السماح بالتعدد المذهبي على الاطلاق و كما انه لم يتم السماح بالتعدد السياسي خلال المراحل التاريخية الانسانية السابقة لعصر انتشار العلم. فقد ارتبط التسلط السياسي بالتعصب المذهبي اكبر من ارتباطه بالتعصب الديني.
لقد تمكن الانسان المعاصر في بعض مناطق العالم من التغلب على التعصب الديني و المذهبي و التسلط السياسي من خلال نشره للتعليم الحقيقي الفعال. انه ينبع من الفطرة التي فطر الانسان عليها بدون تشويه او تلاعب او خداع او اكره. لذلك فانه افضل الوسائل التي تمكن الانسان من ايصال مشاعره و ما يدور في خلجاته الى الاخرين بصدق و اخلاص. و في نفس فانه ايضا يمثل افضل الوسائل للتعرف على مشاعر و ما يدور في خلجات الاخرين. فمن خلال هذا التفاعل تكونت الحضارة الانسانية.
فقد كانت مهارات القراءة و الكتابة و الحساب هي اسس التعليم الفعال. فقد مثلت مهارة القراءة تفوقا على مهارة التحدث لأنها قد سمحت بتطوير عملية التواصل لتكون قادرة على تجاوز الزمان و المكان. فالقراءة قد مكنت من يجيدها ان يطلع على تجارب من سبقه من حيث الزمان و من لا يعيش قريبا منها. و ذلك فقد جعلتها اكثر استقلالا في رايه ممن لا يتواصل الا مع من حوله اي من خلال التحدث.
وقد مثلت القراءة دافعا لتطوير الكتابة. فلا قيمة لأي كتابة ما لم يكن هناك من هو قادر على قراءتها. و بالاضافة الى ذلك فان الكتابة قد سمحت بتراكم المعرفة و دقتها. فالكتابة هي الطريقة الوحيدة التي تسجل الافكار بدقة و تنقلها بدقة كذلك. انها تسمح الاستفادة من تجارب الاخرين.
اما مهارة الحساب فإنها تسمح بتحديد الحقوق و الواجبات بدقة و كذلك فإنها تمكن من التأكد من الحصول على الحقوق و القيام بالواجبات. و لا يمكن ان تستقيم الحياة الاجتماعية و السياسية من دون ذلك. بالاضافة الى ذلك فان مهارة الحساب تسمح باتخاذ القرارات من خلال المفاضلة بين الخيارات المتاحة.
فعلى الرغم من ان الانسان يخلق و لديه القدرة على تعلم كل من القراءة و الكتابة و الحساب فان الطريقة التي يتعلم بها هذه المهارات تؤثر على فعاليتها. و يتم ذلك من خلال التركيز على متطلبات هذه المهارات كما هي من غير خلطها باي اعتبارات اخرى مثل التعصب المذهبي و التسلط السياسي. فمن ذلك فانه لابد من احترام ما توافق عليه الجميع حول دلالات رموز الكتابة. فبدون ذلك فلا معنى للقراءة. و كذلك فانه لا بد من القبول بقواعد الحساب بحسب طبيعتها.
تقوم اسس العملية التعليمة في اليمن على الحفظ و الرواية و المرجعية الشخصية. و لا شك ان ذلك يتناقض مع كل من القراءة و الكتابة و الحساب. فالقراءة تختلف عن الحفظ. اذ ان القراءة الصحيحة لا بد و ان تكون صامتة و شاملة في حين ان الحفظ يعتمد على الترديد و التجزئة. فغالبا ما يكون الحفظ من خلال رفع الصوت و الترتيل و التركيز على الكلمات من حيث النطق و لكنه يتجاهل المعنى.
من الملاحظ ان منهاج التعليم الاساسي في اليمن (السنوات الست الاولى للتعليم) تحتوي على قدر كبير من مهارات التحفيظ و الترتيل و التقليد و النقل غير المنضبط. و لا تحتوي هذه المناهج الا على النذر اليسير من المهارات الحقيقية لكل من القراءة و الكتابة و الحساب.
و لذلك فان النهج من التعليم لا يساعد على الفهم و التحليل و الإدراك و انما على التقليد الاعمى الذي يؤدي الى التعصب و الشقاق و الفراق و التناحر. و الاكثر اهمية من ذلك ان التعليم لا يؤدي الى مراجعة الممارسات الماضية و الحالية بهدف تقييمها و اكتشاف مكامن القصور فيها و العمل على تصحيحها. فلا علاقة للتعليم و التغير و التطور مما يفقده اهم هدف من اهدافه.
ان اصلاح التعليم في اليمن لن يتحقق الا اذا تم اعادة صياغة التعليم الاساسي بحيث يركز على المهارات الاساسية اي القراءة و الكتابة و الحساب. ان الكتابة تختلف عن الرواية. انها تنبع من الفرد نفسه و لذلك انها لا بد و ان تشرح نفسها بنفسها. اما الرواية فإنها تعتمد على النقل. و كل الابحاث في هذا المجال قد اوضحت ان النقل اللفظي اي الرواية ليست منضبطة نتيجة لقصر ذاكرة الانسان و لسهولة التلاعب بها.
ان الحساب يختلف عن المرجعية الشخصية. فالحساب يملك قواعد تصحيح نفسه بنفسه في حين المرجعية الشخصية تعتمد على التقديس و القبول بالرأي لا لأنه صادق بحد ذاته و انما لان من صدر عنه صادق. و بما انه لا عصمة الا للأنبياء فانه لا يمكن الوثوق بالآراء فقط لأنها صدر من اشخاص نحترمهم. فحتى لو كانت آراؤهم صادقة في اوقاتهم و متوافقة مع ظروفهم فإنها لا يمكن ان تكون كذلك في اوقاتنا وظروفنا. و لا يمكن الاستفادة منها الا اذا تم تفكيكها. و اذا ما تم ذلك فإنها تفقد كونها مرجعية و انما يمكن اعتبارها مرشدة.
هناك توافق بين حواسنا و مهارات القراءة و الكتابة و الحساب. و لكن لا يوجد اي توافق بينها و بين كل من الحفظ و الرواية و المرجعية الشخصية. فعلى سبيل المثال فان المهارات الاساسية للقراءة تكمن في المواءمة بين حاسة العين و الدماغ وليس بين حاسة السمع و اللسان. اما المهارة الاساسية للكتابة في الموائمة بين اليد و الدماغ و ليس المواءمة بين حاسة النظر و اليد. الحساب يختلف عن الخيال و الاوهام انه يركز على الواقع المجرد. و لذلك فان المهارات الاساسية له تكمن في المواءمة بين المنطق و الواقع. و لا شك ان ذلك يختلف عن المرجعية الشخصية التي تعتمد على العواطف و التمنيات.
من الواضح ان عملية اصلاح التعليم في اليمن قد واجهت عرقلة من انصار التعصب المذهبي و التسلط السياسي. ان الاصرار على المناهج التعليمية الحالية يعكس رغبة بعض النخب الدينية على استخدام التعليم كوسيلة للسيطرة و التوجيه. ولذلك فانهم يستميتون في الدفاع عن تضمين التعليم وجهات نظرهم على اعتبار ان ذلك يمثل وجهة نظر الاسلام و الوطنية. في حين ان حقيقة الامر يشير ان ذلك فقط يمثل وجهة نظر مذهبية او سياسية.
ان ربط التعليم الاساسي بالمذهبية امر قد اضر بكل من هما. ففي الغالب فان تعلم هذه المهارات يتم في سن مبكرة اي في سن الطفولة. و في هذه الحالة فان الطفل ليس مكلفا دينيا و بالتالي فانه لا يوجد اي مبرر شرعي لتعليم الاطفال امورا ليسوا مكلفين بها. ان اقحام المفاهيم الدينية التي هي مرتبطة بالقبول الحر عندما يكون الانسان قادرا على اتخاذ مثل هذا الخيار في سن الرشد قد يؤثر سلبا على عملية التعليم ان لم يكن على الكتابة فانه بالتأكيد على القراءة و الحساب. فالقراءة تعتمد على فهم النص المجرد وفقا للقواعد المتفق عليها. اما الحساب فانه يعتمد على قواعد المنطق الصريحة و المجردة. اما مفاهيم الدين فإنها تعتمد على الفهم الخاص للنصوص الدينة. و لا شك ان هذا الفهم يختلف من دين الى دين و من مذهب الى مذهب بل من عالم دين الى عالم دين اخرى. ان اقحام الاطفال في هذا الامر يشوه قدرته على التعلم بل و قدرته على اختيار الدين الذي يقتنع به.
كذلك فان ربط التعليم بالانتماء الاجتماعي او السياسي امر مضر بكل من التعليم و هذه الانتماءات. فالانتماء الاجتماعي تتولى الاسرة تكوينه وفقا لاعتبارات خاصة. وبالتالي فان تدريس ذلك للأطفال في المدارس العامة غير ممكن بل و مدمر. فالطلاب في الفصل عادة ما يكونون منتمين لشرائح وفئات اجتماعية متعددة مما يؤدي الى التعصب الى فئات اجتماعية دون اخرى او الى ارهاق الاطفال بتفاصيل لا يقدرون على استيعابها مما قد يحدث لديهم تشوهات ضارة تنعكس على التعايش بين مختلف الفئات الاجتماعية.
و بالمثل فان الربط بين التعليم الاساسي و الانتماء السياسي يضر بكل منهما. صحيح ان الوطن له للجميع و بالتالي فانه لا ضرر من تعميق الانتماء له حتى لدى الاطفال و لكن الصحيح ايضا ان هناك جزءاً مهما من الممارسات السياسية تقبل الاختلاف و التعدد. و المثال البارز على ذلك هو التعددية الحزبية و التداول السلمي للسلطة. و في هذه الحالة فان عرس الولاء الحزبي لدى الاطفال من خلال استغلال عملية التعليم سيفرز واقعا سياسيا متناحرا وواقعا تعليميا مشوها.
ينبغي على الجميع ان يدرك ان اصلاح التعليم لا يمكن ان يتحقق الا اذا حيد التعليم الاساسي على الاقل عن المذهبية و التوجهات السياسية. ان التعليم بهذا المعنى لا يعني التدخل في حياة المتعلمين الشخصية و لا يعني ممارسة اي سلطة عليهم و لا يعني بأي شكل من الاشكال الهندسية الدينية او الاجتماعية او السياسية. انه عملية محايدة. صحيح انها قد تساعد الانسان على اختيار دينه او علاقاته الاجتماعية او مشاركته السياسية و لكنها لا تحدد ذلك و لا تلغي حقه في الاختيار.
في مراحل لاحقة تم الربط بين التعليم و الدين و الفلسفة و السياسة. لكن ذلك ما لبث ان تغير ليصبح التعليم ظاهرة انسانية مميزة عن بقية الظواهر الانسانية الاخرى وان كانت متداخلة معها. و في مراحل لاحقة تم الربط بين التعليم و الاقتصاد. لقد ترتب على الثورة الصناعية و العلمية و ثورة المعلومات ان اختفى العمل اليدوي تقريبا لصالح العمل الذهني مما اثر على عملية اعداد الشباب للعمل. اي انه لا بد و ان يحصل على قدر من التعليم من اجل العمل و ليس من اجل اي اعتبار آخر.
ان توسع تأثير التعليم على كل مناحي الحياة لا يبرر تجاهل متطلباته الخاصة لصالح المجالات و الظواهر التي استفادت منه او صبح جزا مهما منها. ان التساهل مع ذلك قد يشوه عملية التعليم و يضعفه. و هذا ما حدث بالفعل فيما يخص الدين و الوطنية.. في هذه الحالة سيكون الحديث عن تطوير مهارات القراءة و الكتابة و الحساب و طرق التقييم المناسبة فان النقاش يتركز حول الحفاظ على المذهب الصحيح او التوجه السياسي المناسب. ان ذلك قد ادى الى جمود التعليم. فالنقاش هو هذه المواضيع له قنوات اخرى مثل الدراسات الدينية المتعمقة او البرامج السياسية في الانتخابات.
في هذه الحالة سيكون التعليم مصدراً للتعايش و الابداع و التقدم. ان تشجيع الاطفال على ممارسة حريتهم يتطلب الفصل بين عملية التعليم الاساسي و الولاء الحزبي. و كذلك فان تحقيق العدل بين مختلف الفئات الاجتماعية من اجل التعايش حتى مع الاختلاف و التنوع يوجب الفصل بين التعليم الاساسي و التعامل مع كل من الانتماء السياسي و الاجتماعي.. ان التركيز على المهارات الاساسية في التعليم الاساسي سيعمل على الحفاظ على المكونات الطبيعية للإنسان. و لعل من اهم ذلك تمكين الطفل من الحفاظ على شخصيته المتميزة التي ستمكنه من تحقيق ذاته و تحمل مسئولية ذلك. اما الهندسة الدينية او الاجتماعية او السياسية فستعمل على تشويه ذلك مما يجعل الافراد مضطربي الشخصية مما يؤثر سلبا على تدينهم و على وطنيتهم.
في هذه الحالة فان التعليم سيكون عاملا مساعدا على التطور و التقدم الاقتصادي. ان التعليم الاساسي في العصر الحديث قد اصبح يلعب دورا اساسيا في التطور الاقتصادي. فلم يعد الانسان قادرا على الوفاء باحتياجاتها حتى الضرورية منها من خلال استخدام قوة العمل التي منحه الله اياها. بل ان عليه ان يكون قادرا على القراءة و الكتابة و الحساب حتى يكون قادرا على القيام بأبسط المهام. فمن لا يتوفر لديه هذه المهارات فانه محكوم عليه بعدم الحصول على اي عمل. و لا شك ان ذلك يتناقض مع اهم حق من حقوق الانسان و هو حق الحياة و حق العمل.
فاذا ما حرم الإنسان من هذا الحق فانه بدون شك سيجرم من كل الحقوق الانسانية الاخرى. فالعمل هو مصدر الدخل الذي هو متطلب اساسي للحياة الكريمة التي هي احد مكونات المكانة الاجتماعية التي تحدد الكرامة الانسانية.
لذلك فان عملية توسيع و اصلاح التعليم ينبغي ان تكون اولوية قصوى بعد نجاح ثورة الشباب. فبدون ذلك فانه من غير الممكن تحقيق اي انجاز يعتد به في طريق تحقيق التنمية المستدامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.