تعتبر الإدارة الاتحادية( الفيدرالية ) أرقى أشكال الإدارة السياسية في الدول الديمقراطية الحديثة ، من حيث القدرة على تفجير الطاقات التنموية لدى الشعوب واستغلال الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والثقافية والتنوع البيئي لدى الأقاليم في إطار الدولة الاتحادية الواحدة وقد قاد هذا الشكل من أشكال العمل الإداري والسياسي إلى أن تصبح الولاياتالمتحدةالأمريكية أقوى دولة في العالم .. كما أصبحت ألمانيا الاتحادية أقوى دولة أوروبية بعد أن تحولت مدنها إلى أنقاض خلال الحرب العالمية الثانية . هناك كثير من الجهلة يعتقدون بأن إدارة الأقاليم الاتحادية في إطار الدولة الواحدة هو انفصال وهذا مفهوم خاطئ للإدارة الاتحادية، فالإدارة الاتحادية هي إدارة تنطلق من أسس وحدوية علمية وهي الشكل الأفضل الذي يؤدي إلى تفجير الطاقات الشعبية والتنموية للأقاليم المختلفة وإيجاد التنافس الاقتصادي والتنموي دون أن تضر بإقليم على حساب آخر ومن خصائصها : - الحرية الكاملة لتنقل رؤوس الأموال والأيدي العاملة في إطار الدولة الاتحادية الواحدة . - تؤدي إلى التكامل الاقتصادي وتقوية أواصر الوحدة الوطنية أكثر من الإدارة المركزية . - الأخذ بالإدارة الاتحادية يعد من خصائص الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ، ذلك بأن المركزية تقود إلى الاستبداد ، بينما تقود الإدارة الاتحادية إلى المزيد من الحريات وتعميق الديمقراطية . - يقتصر عمل الحكومة المركزية في الدولة الاتحادية على ممارسة الأعمال ذات الطابع السيادي كحراسة الحدود بتوحيد الجيش والسياسة الخارجية والعمل على تقوية الاقتصاد القومي بالحفاظ على قوة العملة وسلامتها وتوزيع الثروات السيادية بالعدل وإعلان الأقاليم التي تتعرض لكوارث طبيعية كمناطق منكوبة ودعمها حتى تتجاوز حالة النكبة . - تتميز الإدارة الاتحادية بحرية الرأي والفكر والاعتقاد ومحاربة العنف والتمييز الديني والمذهبي والعرقي . - من مميزات الدولة الاتحادية ، استقلالية القضاء على المستويين الإقليمي والمركزي. ومن خصائص الإدارة السياسية المركزية الآتي: - تقود إلى الاستبداد والظلم ونهب الثروات وعيش أقاليم على حساب أقاليم أخرى . - تعيش القلة على حساب الأغلبية وتؤدي إلى إشاعة الفساد وتعطيل الطاقات التنموية للشعوب . - تؤدي إلى التمييز في الوظائف العامة وانتشار الفساد السياسي وتعطيل قدرات الشعوب وظهور الصراعات السياسية والمناطقية على السلطة ، بل أحيانا تقود إلى الحروب الأهلية . - غياب الحريات السياسية والفكرية والعقائدية وسيادة الرأي الواحد والمذهب الواحد والقبيلة الواحدة والعرق الواحد والعائلة الواحدة والفرد الواحد . وفي كل الأحوال فإن اليمن تتميز بالتنوع والتعدد الاجتماعي والبيئي والثقافي واختلاف الخصائص التنموية من إقليم إلى آخر ولذلك فإن الإدارة السياسية التي تصلح لليمن هي الإدارة الاتحادية، وما عداها سيعد مضيعة للوقت وإهدار للاقتصاد وضياع وتبديد للطاقات التنموية للبلاد . كما أن الأخذ بالإدارة الاتحادية سيخلق تنافسا بين الأقاليم على صعيد التقدم الاقتصادي والاجتماعي وهو رافد قوي للاقتصاد الوطني بصورة عامة .. وأعتقد بأن الحوار الوطني سيكون متخلفا وعقيما إذا لم يأخذ بالإدارة السياسية الاتحادية ، بل ينبغي أن يبدأ وينطلق مما وصل إليه الحوار السياسي قبل انفجار الحرب الأهلية في صيف عام 1994م وتحديدا من وثيقة العهد والاتفاق التي تحتاج إلى إثراء واغناء لتتحول إلى نواة للدستور القادم . إن أعظم ضربة سيوجهها الحوار الوطني لأوكار الفساد وللأحلام المريضة التي لازالت تتصور بإعادة امتلاك اليمن كضيعة أو إقطاعية وتوريثها للأبناء والأقارب، هو الأخذ بمبدأ الإدارة الاتحادية(الفيدرالية ) . ولن تكون هناك في ظل هذه الإدارة أغلبية تنتج الثروات وتموت من الفاقة وقلة تستولي عليها وتنهبها وتورثها للأبناء. وإنني أتفق مع الأستاذ محمد سعيد عبد الله حاجب( محسن ) الشرجبي وزير الإدارة المحلية الأسبق في أن الإدارة الاتحادية ستعيد الاعتبار والكرامة لأبناء كثير من المحافظات ومنها أبناء محافظة تعز التي عانت كثيرا من ويلات الحكم والاستبداد المركزي خلال تاريخها الحديث .. كما أنها ستعيد الكرامة المصادرة لكثير من الوطنيين والشرفاء الذين ضحوا من أجل أن تنعم اليمن بالخير والعدل والازدهار والنماء . وكان المفكر العربي التونسي عبد العزيز الثعالبي قد زار اليمن في الأربعينات ، حيث زار مملكة الإمام يحيى حميد الدين .. كما زار عددا من سلطنات الجنوب ودعا حينها إلى إنشاء اتحاد يمني فيدرالي من منطلق أن الوحدة الفيدرالية تراعي خصوصيات الأقاليم والتنوع البيئي والثقافي . كما دعا الأستاذ زيد بن علي الوزير إلى وحدة فيدرالية لامركزية في كتاب نزل مع بزوغ فجر الوحدة اليمنية أطلق عليه “ نحو وحدة يمنية لا مركزية وشبه الوحدة التي دعا إليها بالوحدة السويسرية .. منوها إلى أن الخصوصيات الموجودة في اليمن تشبه الخصوصيات الموجودة في سويسرا من حيث جمال الطبيعة والخصائص الاجتماعية.