إذا كان “ بولص الرسول” قد قام بتقعيد وتشريع الديانة المسيحية، عطفاً على استئناس شامل ومؤكد بالعهد القديم المُجيّر على ديانة الشريعة اليهودية، فإن كثيراً من علماء الأديان اللاحقين حذوا حذوه من منطلقين .. يتلخّص المنطلق الأول بأن الديانات تكمل بعضها بعضاً من حيث الجوهر لا الشكل، وفي هذا المنطلق الكثير من المقاصد الشرعية والعقلية والمنطقية أيضاً، خاصة إذا قرأنا المشهد قياساً بأديان التوحيد المعروفة والتي تقول بإله واحد، ولكنها تتفارق في معنى التوحيد، وتحتار فيه حد الخصومات المؤكدة .. المنطلق الثاني يتلخّص في نوع من إضمار الاعتقاد بما سبق من ديانات، قياساً بما لحق بعدها. وقد وجدنا في التشريع الكنسي التاريخي قدراً كبيراً من استدعاءات مُجيّرة على العهد القديم اليهودي، لخلو الأناجيل المعروفة مسيحياً من مثل هذه التشريعات الدينوية، وأبرزها أناجيل «يوحنّا، ومرقص، ولوقا، ومتّى». والحاصل أن هذه المسألة كانت مثار خلافات كلامية تأويلية من جهة، واُخرى دنيوية سُلطانية ارتبطت بالحاكمية ومغزاها من جهة أُخرى، وقد لعبت كنسيّة القرون الوسطى أدواراً سياسية كبيرة، وكانت رديفاً مُناصراً للاقطاع القروسطي، مُصوغةً للمراتبية الاجتماعية الطبقية غير الإنسانية، وقد ثار العديد من رهبان الكنيسة الراكزون في أساس العلم والعرفان، فكان منهم الشهداء والمنبوذون والمطاردون . وإذا وقفنا على سبيل المثال لا الحصر أمام الراهب «جوردانو ر برونو» الذي فاض بالتصوُّف البوّاح، وسافر في معارج العرفان الموصول بالتصوف الإسلامي الأندلسي، سنرى فداحة الأحكام التي كانت تقع من قبل محاكم الغفران الكنسية، والتي لم تكن تعتق حتى علماء ورهبان الكنائس. أصدروا حكماً بإعدام العلامة جوردانو برونو على طريقتهم، وكانت تتلخّص في حرقه مع كتبه أمام رؤوس الأشهاد، ولا تعليق . [email protected]