كم هو مؤلم حين يتردى الوضع المعيشي إلى أسوأ حالاته.. وما أشد اللحظة التي تجعل أطفالاً بعمر الزهور يريقون ماء وجوههم على أرصفة هذا الوطن المثخن بالجراح..!؟ ما أقسى أن تجد وطناً يمنحك الفقر والجوع.. ويسلبك طفولتك..!! وما أتعس أن تفتح عينيك على صورٍ مأساوية.. تدوس على كرامةٍ ضائعة بحذائها الحديدي الثقيل..!! فمنذ إطلالة الصباح الباكر، وقبل أن تستيقظ الكائنات وتفرك عينيها للضوء يخرج أولئك الأطفال ويتسابقون على جمع العلب الفارغة التي رمى بها الليل على قارعة الطريق.. لتكون مصدر رزق لهم يواجهون بها شبح العيش اليومي الذي لا يرحم طفولتهم.. فيخرجون مكرهين على فعل ذلك، ويكررون ذلك العمل بصورةٍ يومية. وسر جمعهم المبكر للعلب الفارغة وفي الساعات الأولى حتى لا يراهم من انتفخت كروشهم بأكل السُّحت وأكل نصيب أولئك الأطفال.. وعند هذه الجزئية بالذات نتوقف لنقول: إن المجتمع لم تعد فيه طبقة وسطى تلك الطبقة التي هي سر حضارة الإنسان في كل عصرٍ وزمان.. فقد ذابت هذه الطبقة وسط هذا الجحيم الذي أحرق إنسانيتها.. وباتت طبقتان سائدتان في المجتمع فقط.. هي الفقر المدقع.. والثراء الفاحش..!! وسنظل نكرر أسئلتنا المفتوحة من خلال هذه الإطلالات القصيرة حتى نجد من يستوعبها ويكون العين التي لا تنام لإسعاد من وضعوا ثقتهم بهم.. فهل سيعاد النظر في تحسين الوضع المعيشي السائد.. وإعادة هؤلاء الأطفال إلى طفولتهم المسلوبة منهم على حين غفلةٍ من ضياع الحقوق الإنسانية..؟! شكراً.. لمن كرّموا حرفي في لحظةٍ من اللحظات المنسيّة من دفتر الزمن تشعر أنك منفيٌّ وسط أهلك وأبناء جلدتك، وتشعر أنك تكتب حروفك لآذانٍ صماء وتفقد الأمل أنها ستصل يوماً ما، لأنك غمست حبرك بأوجاع الآخرين وواجهت الصعاب بصبرٍ حتى توصل رسالتهم وتكون لسان حالهم.. وليس لأحد سواهم.. ولأنك جرّدت حروفك لمعاناتهم وليس لأشخاص أو أحزاب.. فطبيعي أن تكابد وحدك المشقة المضنية لأنهما توأمان للحرف والكاتب أينما وجد.. باستثاء الكتّاب الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، لأن أولئك يختلفون تماماً عن أصحاب المعاناة..!! وهنا.. أبرق امتناني وشكري عبر صفحات الجمهورية الغراء إلى من كرّموا حرفي.. واستدركوا (اسمي) بعد أن سقط سهواً من قائمة مكرميهم من الإعلاميين والصحفيين بمحافظة حجة.. فشكراً للدكتور مجاهد اليتيم، والشيخ فهد دهشوش، والأستاذة عايدة بن عمر. شكراً.. لأنكم أصغيتم إلى حروفي المكلومة بأوجاع المجتمع.. والغارقة في همومه الطافحة بالأسى.. شكراً.. لأنكم كرّمتم الحرف.. والحرف فقط بعيداً عن الحزبيّة الضيقة..!! ومع الحرف.. «سنظلُ نحفرُ في وجه الجدار.. إما فتحنا ثغرةً للنور.. أو متنا على وجه الجدار..». [email protected]