مثّلت الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت يوم 21 فبراير الماضي حدثاً هاماً وبارزاً في حياة الشعب اليمني ونقطة تحول تاريخية هامة في مسار الحياة السياسية والديمقراطية، فقد عبّر اليمنيون عن إرادتهم الحرة في تحقيق الانتقال السلمي للسلطة، وأكدوا أن الطريق إلى كرسي الحكم يجب أن يمر عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الانقلابات والفوضى والتخريب وتدمير مقدرات الوطن وإزهاق الأرواح وسفك الدماء. لقد تجلّت الحكمة اليمانية في أبهى صورها وأعظم معانيها لحظة التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة من قبل الرئيس السابق الأخ علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه والتي تعد بمثابة خارطة طريق لإخراج الوطن اليمني أرضاً وإنساناً من الأزمة الخانقة والتي كادت تداعياتها المؤسفة أن تجر البلاد والعباد إلى هاوية سحيقة، ولذلك فلابد أن تلتزم الأطراف الموقعة على المبادرة وآليتها التنفيذية المزمّنة بتطبيق بنودها كما هي دون انتقاء أو تلكؤ ودون وضع أية عراقيل أو اشتراطات من شأنها التنصل من المبادرة والتي ستؤدي لا سمح الله إلى انهيار التوافق السياسي والتسوية السياسية برمتها. من المؤسف جداً أن تداعيات الأزمة ما زالت تجر أذيالها حتى اليوم، والمتمثلة بالمظاهر المسلحة والانفلات الأمني وجرائم القتل والتقطع والنهب والسلب والفوضى والتخريب والأعمال التصعيدية والاستفزازية سواء الميدانية أو الإعلامية.. والمؤسف أن قرارات لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار بشأن إخراج المليشيات المسلحة الخارجة عن النظام والقانون من المدن وخصوصاً العاصمة ومدينة تعز وكذا رفع المتارس بصورة شاملة، وانسحاب قوات الأمن والجيش من النقاط والمواقع المستحدثة خلال الأزمة لم تنفذ من قبل أحد أطراف الأزمة، فمازالت المليشيات المسلحة متواجدة في العاصمة صنعاء ومدينة تعز، ومازالت المتارس والتحصينات والخنادق ومليشيات أولاد الشيخ عبدالله الأحمر كما هي في حي الحصبة، ومازالت قوات الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن صالح الأحمر البشرية والآليات العسكرية متموضعة في نفس المواقع والنقاط والشوارع التي انتشرت فيها منذ 21 مارس العام الماضي 2011م. المتابع لمجريات التطورات التي يشهدها الوطن منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار وحكومة الوفاق الوطني وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، والمتمعن لمجريات ما يدور في الساحة الوطنية سيدرك جيداً أن هناك أطرافاً محلية وخارجية إقليمية ودولية لا تريد نجاح التوافق السياسي والتسوية السياسية التي تمت بين أطراف الأزمة والتي من خلالها تم تحقيق الانتقال السلمي للسلطة.. فعلى المستوى المحلي هناك من لهم حسابات خاصة بهم والبعض لديهم أجندة خارجية يعملون على تنفيذها فيرون أن السير في عملية التغيير وإقامة الدولة المدنية الحديثة يتعارض مع مصالحهم وأجندتهم، وعلى المستوى الخارجي هناك قوى إقليمية ودولية لا تريد للنموذج اليمني المتمثل في الانتقال السلمي للسلطة أن يتكرر في الدول العربية الأخرى التي تشهد انتفاضات “الفوضى الخلاقة”، لأن ذلك يعني فشل المخطط الصهيوني المعروف ب“الشرق الأوسط الجديد”، ولذلك نلاحظ أن هناك خلطاً للأوراق والدفع باتجاه التأزيم والتصعيد ووضع العراقيل أمام الحكومة لتنفيذ المهام المناطة بها بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة، فهناك من يعمل على أن يجعل من حكومة الوفاق الوطني “حكومة شقاق” حتى من داخل الحكومة نفسها، وهو الأمر الذي جعل فخامة رئيس الجمهورية الأخ عبدربه منصور هادي يترأس اجتماعاً استثنائياً للحكومة يوم السبت 24 مارس المنصرم لوضع النقاط على الحروف، حيث أكد أن الهدف الكبير الذي ينتصب أمام القيادة السياسية والحكومة والقوى السياسية هو الوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي ستتم فيه مناقشة كل الملفات والقضايا والإشكالات بكل أنواعها وصورها بشفافية تامة ودون أية تحفظات.. موضحاً لرئيس وأعضاء الحكومة المهام والواجبات التي يجب أن يضطلعوا بها والعمل بروح الفريق الواحد كحكومة وفاق وطني تمثل الوطن وليس الأحزاب، وذلك في تنفيذ المهام الوطنية والعمل على تنفيذ المبادرة الخليجية دون الالتفات إلى الماضي أو لأية توجيهات تأتي من خارج الحكومة حتى لا نعود إلى المربع الأول. كان كلام رئيس الجمهورية لرئيس وأعضاء الحكومة محدداً وواضحاً ولا يحتاج إلى تأويل أو تفسير، فالوطن على مفترق طرق ولابد أن يستشعر كل أبناء الشعب اليمني مدى الخطر الذي يهدد وحدتهم وسيادتهم الوطنية وأمنهم واستقرارهم فيتحملون مسؤولياتهم الدينية والوطنية والتاريخية كل من موقعه بالعمل على تفويت الفرصة على من يريد العودة بنا إلى المربع الأول وربما إلى ما هو أبعد من المربع الأول.